ينزعج الكثير من الآباء والامهات من طلبات أبنائهم التي لا تنتهي ورغبتهم المستمرة في شراء الألعاب الجديدة والحاجيات الفائضة عن الحاجة، وان كانت خزائنهم تفيض بالأشياء على اختلاف اغراضها واحجامها، ويكاد يكون اكثرها غير مستخدم، ولكن ما يدفع لشرائها هو تنشئة الطفل بصورة مادية، فكيف نجعل الأطفال يتجنبون هذه الصفة؟
يولد الانسان وهو كالصفحة البيضاء التي يمكن ان تخط عليها ما تشاء، ومع مرور الأيام تبدأ الشخصية بالتشكّل، ومن الطبيعي ان يكون هذا التشكّل وفق ما يتلقاه الطفل من عادات وممارسات الاهل داخل المنزل، فإذا كان الاهل متجهين بحياتهم اليومية نحو المادية، فمن المؤكد ينشأ الطفل على نفس الشاكلة.
وبذلك يكون الآباء هم من يغرسون هذه الصفة في نفوس أبنائهم، بشكل غير متعمد، ومع قادم الأيام وتقدم عمر الطفل، يصبح حب التملك والحرص على الأشياء المادية جزء مهم من حياته، وقد يفضله على الجانب العلمي او العملي، وكل هذه التفضيلات هي بمثابة ترسبات مرحلة الطفولة وما شاهده من تصرفات ونمط حياة متبع من قبل الاهل.
ويهيمن الفكر المادي عند الشخص بعد سيطرة التفكير المالي عليه، وبعدها يصبح تقيميه للأشياء والأشخاص مبني وفق النظرة المالية، فيربط كلَّ ما يحدث له بقيمة مادية، وتصبح الحياة بالنسبة له مجموعةً من المشاريع المالية التي يقبل بعضها، ويرفض الآخر بناء على المصلحة المادية.
من المهم التركيز على قضاء وقت ممتع، بدلا من تقديم الهدايا لطفلك، شاركه في أنشطة بسيطة معا، يمكنك المشي أو اللعب معه في الحديقة. أنفق المزيد من المال على التجارب الإنسانية، بدلا من شراء الهدايا
ولو توسعنا بدائرة التأثير، فإن البيئة الاجتماعية لها تأثير مباشر على الفرد ليتحول تفكيره صوب الأشياء المادية، فالشخص (الاب والام)، الذي يعيش بمحيط يعطي الجوانب المادية مكانة، لابدّ ان ينعكس على الأطفال، وبحسب نظرية التعلّم الاجتماعي، فإنه يُكسب أطفاله هذا الفكر بطريقة النمذجة في التعلم، فالطفل يرى كيف يُقيم أباه أو أمه كل شيء بناءً على المصلحة المالية المرجوة منها، فيقلّد أبويه خصوصا في المرحلة العمرية الأولى، ليكبر بعد ذلك، ويكون نسخةً منهما.
المصاديق والامثلة كثيرة على تبنّي الاهل فكرة المادية وترسيخها لدى الأبناء، ومن أهمها هو حثهم على الدخول بكليات علمية يضمن فيها التعيين الحكومي بعد التخرج، فيُزج بالأبناء في كليات الطب والصيدلة وطب الاسنان وغيرها من التخصصات الصحية نظرا لضمان التعيين المركزي لذوي المهن الصحية.
وفي كثير من الأحيان يكون الابن غير راغب بهذا التخصص، ولكن ما اجبره على ذلك هو رغبة الاهل والدافع المادي الذي يمتلكونه، وهو ما أدى في حالات كثيرة الى فشل الأبناء في إكمال المسيرة التعليمية، وتفضيل الخوض بطريق يتلاءم ورغباتهم وميولهم الفطرية والمهنية.
ليس من الصحيح ان يُجبر الابن على التعامل مع الحياة وفق نظرة الابوين، ويتعامل مع الأبناء بنفس المفهوم المادي الذي ينظر الأبوين من خلاله للأشياء، فيفضّل الطفل المكافئات المادية التي يؤدي مقابلها واجبا ما حتى يحصل عليها، كأن يكون اعطاؤه وعداً بأن يحصل على مبلغ مالي شريطة ان ينجز الواجب المدرسي، او عمل معين يكلفه فيه كأن يكون ترتيب حديقة المنزل او الاهتمام باحتياجات البيت، لكن تبقى هنالك استثناءات نابعة من نزعات فردية للشخصية.
ومن مظاهر تنامي المادية لدى الشخص هو حب التملّك، ففي بعض الحالات، ينجب والدان كريمان بعيدان كل البعد عن المادية طفلا ماديا، نتيجة لنزعات شخصية تخص الطفل وحده، منها المادية وحب التملك والسيطرة، والحرص الزائد على الأشياء.
و في هذه الحالة، يجب على الآباء التنبه لمثل هذا الأمر، وإعطاؤه درجة عالية من الأهمية، لأن تشكيل السلوك لدى الطفل يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة ليتثبت أكثر في مرحلة الطفولة المتأخرة تمهيدا لمرحلة المراهقة.
من جانبها، تقول الاختصاصية النفسية الدكتورة آمال صرايرة، إنها لاحظت: “أن الصفات الجينية الوراثية والسلوكية تنتقل من الوالدين إلى الأبناء، ومن بينها الحرص في الإنفاق، والتركيز على تحديد المصروف بشكل منتظم”.
وفي مثل تلك الحالات، ينصح المستشارون الأسريون الوالدين، بالتدخل لتعديل سلوك الطفل مبكرا قدر الإمكان، من خلال أساليب كثيرة منها أسلوب التعزيز التفاضلي، وهو تعزيز سلوك الطفل بشكل مادي ومعنوي كلّما أقدم على تصرف إنساني بعيد عن المادية، في مقابل تجاهل أي سلوك مادي وعدم إعطائه أي أهمية.
تدخل الاهل لتعديل السلوك ينبغي ان يكون وفق استراتيجيات معينة لمنع الأفكار والسلوكيات المادية من الانتقال الى الأبناء، ومن بينها عدم تلبية رغبات وطلبات الطفل، وإقناعه بعدم أهميتها، إذ يعمل هذا الأسلوب على تهذيب طلبات الأطفال واخبارهم بوجود مانع امام هذه الرغبات، وبالتالي يصرف انظارهم الى الأشياء المهمة والاحتياجات الضرورية.
ومن الاستراتيجيات الأخرى تعليم الأطفال أسلوب التوفير، وقد يكون هذا الأسلوب متبع بشكل ضيق لدى بعض الاسر، إذ يضعون صندوق توفير لأبنائهم ويحرصون على وضع المبلغ الزائد عن الحاجة فيه، من اجل العودة اليه أيام الموسم الدراسي لشراء بعض المستلزمات المدرسية والملابس.
ويشترط الا يكون ذلك بإفراط، وبذلك يترسخ لدى الطفل برمجة الخوف المستمر من الصرف أو تلبية حاجاته ورغباته، فالمبالغة في زرع السلوكيات المتعلقة بالجوانب المادة تحول الأمر إلى ما يشبه أسلوب حياة بالنسبة للأبناء، فحتى لو توفرت له المادة لإسعاد نفسه، فإنه يفضل المحافظة على المال الذي يعتبره أهم من السعادة.
كيف تكافح المادية؟
ولمكافحة المادية لدى الأبناء اليك عزيزي الاب وعزيزتي الام بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها حتى لا يتحول الطفل إلى إنسان مادي، ومنها:
تعزيز الامتنان: تعليم طفلك أن يكون ممتنا لما لديه سيمنعه من التفكير في أنه لا يمكن أن يكون سعيدا إلا بالحصول على المزيد.
ليس من الصحيح ان يُجبر الابن على التعامل مع الحياة وفق نظرة الابوين، ويتعامل مع الأبناء بنفس المفهوم المادي الذي ينظر الأبوين من خلاله للأشياء، فيفضّل الطفل المكافئات المادية التي يؤدي مقابلها واجبا ما حتى يحصل عليها
التركيز على قضاء وقت ممتع، بدلا من تقديم الهدايا لطفلك، شاركه في أنشطة بسيطة معا، يمكنك المشي أو اللعب معه في الحديقة. أنفق المزيد من المال على التجارب الإنسانية، بدلا من شراء الهدايا.
قدوة الكرم، اجعل نفسك هذا النوع من القدوة ستعلم الطفل الكثير من الأفعال، وليس من الكلمات. أظهر أنك شخص طيب ومعطاء، ويقدر الأشخاص أكثر من الأشياء. تبرع للجمعيات الخيرية، وتحدث عن اللطف كثيرا.
الخُلاصة؛ الحديث عن تجنب المادية لا يعني الذهاب الى اقصى حالات الزهد، ولكن ربما يكون دعوة الافراد الى التخلي عن نزعة التملك والاكتفاء والقناعة بما يتوفر، دون الركض وراء المغريات والاشياء التي لا تخدم بناء الانسان، ولنا في قول الامام علي بن ابي طالب خير دليل وشاهد على ضرورة القناعة والرضى بما قسمه الله لنا، يقول عليه السلام: “أشكر الناس أقنعهم، وأكفرهم للنعم أجشعهم”.