فکر و تنمیة

الشباب ورسم المستقبل

من المشاكل الذاتية التي يعاني منها شبابنا في العراق، مشكلة عدم الاهتمام في قضية رسم المستقبل، ولو أننا طرحنا سؤالا واضحا على مجموعة من الشباب مفاده: هل رسمت ملامح معينة لمستقبلك؟

 فإن الإجابة ستكون بنسبة عالية، كلا لم أفكر بقضية رسم المستقبل، وكأن الأمر غير مهم بالنسبة لهم، ولا يتعلق بصنع حياتهم الجيدة.

ولكن هل يمكن حقا للشاب في العراق أن يرسم مستقبله؟

هناك من يقول إن الشاب في العراق مكتوف الأيدي، وأنه لا يُمنَح الفرص التي تساعده على بناء حاضره ومستقبله بصورة جيدة، وهناك حرب متواصلة تُشَن ضد الشباب، حتى وإن كانت من دون قصد، فمثلا الإهمال (الرسمي) الذي يتعرض له الشباب يعد من أساليب مناهضة الشباب، كذلك هناك إهمال حتى من القطاع الخاص للشباب.

في جولة سريعة على أماكن العمل المختلفة في مدن بغداد وباقي المحافظات، نلاحظ أن مختلف أماكن العمل مثل المولات، والأسواق، وبعض المعامل الصغيرة، وبعض الشركات الإلكترونية والمصرفية وسواها، هذه كلها تقريبا تلجأ إلى العمالة الأجنبية بسبب الأجور القليلة التي يتقاضاها العامل الأجنبي، في حين يتم حرمان الشباب العراقيين من فرص العمل هذه تحت حجج كثيرة منها أن العامل العراقي غير مطيع ومتمرد وغير ملتزم وما إلى ذلك من حجج وتبريرات عن حرمان الشباب العراقي من فرص العمل.

بالطبع حتى وإن كان البعض تنطبق عليه هذه الأوصاف، إلا أن هناك الغالبية والنسبة الأعظم من الشباب حريصون على أداء مهامهم وأعمالهم كما هو مطلوب منهم، بل هناك موظفون من الشباب العراقي يتفوقون في عملهم ويتقدمون ويحققون نجاحا وتطورا ملحوظا، فالأمر يتعلق بشخصية الشاب وثقافته ومثابرته وتمسكه برسم حاضرة ومستقبله.

ولو أردنا أن نضرب مثالا عن هذا الجانب، وهو مثال ساخن يعيشه العراقيون في هذه الأيام، ما حققته الشابة العراقية (نجلة عماد) عندما فازت بالميدالية الذهبية العالمية في دورة الألعاب التي جرت مؤخرا في باريس، وشارك فيها رياضيون ورياضيان من جميع دول العالم، فهذه الشابة العراقية هي التي صنعت حاضرها ومستقبلها المشرق بنفسها وذلك من خلال إرادتها العظيمة وإصرارها على التفوق ومقارعة الظروف القاسية التي تعيشها.

فهي شابة مقطوعة الأطراف، حيث تعرضت لحادث تفجير إرهابي جعلها تفقد ثلاثة من أطرافها ولم يبق لها سوى ذراعها اليسرى في حين فقدت الأطراف الثلاثة الباقية، وبهذه الذراع الوحيدة، واجهت الحياة الصعبة التي فُرِضَتْ عليها، وانتصرت على مأساتها، و واجهت ظروفها القاسية جدا، حتى أنها كانت تتمرن منذ طفولتها مرورا بشبابها على جدار مسكنها، فتمسك المضرب بيدها الوحيدة وتقذف الكرة بالمضرب على الحائط فتعود لها الكرة وتضربها مرة ثانية وهكذا تستمر أياما وأسابيع وشهورا وهي تتمرن بلا انقطاع.

لم تنتظر من الحكومة أو وزارة الرياضة أو النوادي الرياضية أن تمد لها يد العون، هي من رسمت مستقبلها أولا، وهي التي ثابرت وتفوقت وحققت نتائج لم يستطع تحقيقها الأصحاء من الشباب، لماذا حققت هذه النتائج الباهرة على الرغم من أنها تعاني من عاهة كبيرة تشل جسدها وتحطم كيانها، فمن يتم بتر ثلاث أطراف من جسده لاشك أنه سوف يفقد الأمل بالحياة، ولكنها لم تفقد الأمل.

رسمت مستقبلها بنفسها وبخيالها، وقررت أن تواصل مسيرتها إلى أمام، متحدية جميع الظروف القاسية التي وقفت في طريقها وأخيرا قطفت ثمار هذا الإصرار العظيم، وحصلت على أرفع ميدالية ذهبية عندما فازت على بطلة أوربية لا شك أنها كانت تتمرن في ملاعب من الدرجة الأولى وفي ظروف العيش المرفّه، في حين كانت (نجلة) تتمرن على جدار بيتها، وتمكنت من الفوز على الرياضية الأوربية.

ما نريد أن نصل إليه هنا، أن الشاب يجب أن يتحمل المسؤولية الأكبر في رسم مستقبله، وعليه أن يتحلى بالإصرار العظيم والمثابرة الهائلة والإرادة الكبيرة لكي يحقق خطوات النجاح المتلاحقة، ولابد أن نقول بأن الطريقة الوحيدة للنجاح في رسم المستقبل، هو الإصرار على مواجهة التحديات المختلفة، وعدم انتظار الدعم من للآخرين، بل على الشاب أن يرسم مستقبله بنفسه، ويستفيد من تجارب وخبرات الآخرين، ويمضي قُدُما إلى الأمام حتى يصل إلى الهدف الأسمى الذي رسمه وخطط له.   

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا