عندما نتكلم عن الوعي فإننا نقصد بذلك الأفكار التي يكتسبها الفرد في حياته وفهمه لحقائق الأشياء، وكذلك نقصد المفاهيم عن حقيقة معرفتنا بالأمور، وكلاهما يخرج منا بشكل وجهات نظر تنطبع في مشاعرنا فتخرج سلوكاً يحدد شخصيتنا.
وهذا الوعي يختلف نسبياً بين شخص وآخر ومدى استيعاب الشخص لعلم دون آخر، كما أن أدوات الوعي كثيرة منها؛ العلم، والتثقيف، والتجربة، والتأمل، وينقص بأضدادها؛ كالجهل، وعدم الخبرة، والغفلة، وإهمال العقل، وأشدها الحماقة، والتي تعني التصرف بتسرع دون دراسة وإلمام للموضوع وسلوك طرائق تقوده للمضرة، بينما يتوقع أن تنفعه. حتى قال المتنبي:
لكل داء دواء يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
وقد يكون أحد أسباب الحماقة، توهّم الشخص بأنه يفهم كل شيء، ويحيط علماً بكل الأمور، لذلك تراه لا يستشير، ويتسرع في اتخاذ القرار، وجاء في إحدى وصايا الإمام علي، عليه السلام، لابنه الحسن، عليه السلام، قوله: «إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ».
الوعي وأدواته
ومن أدوات الوعي العلم، ونقصد بالعلم هنا اكتساب المعارف، سواءٌ أ كانت العلمية منها أم الإنسانية، أو الدينية ولا يقتصر المفهوم على الحفظ فقط، فكم من حافظ للعلوم غير مستوعب لها! فالذي نقصده؛ الاستيعاب، وأن يكون الشخص على معرفة ولو يسيرة بالعلوم على اختلافها فما لا يُدرَكُ كُلُّه ، لا يُترَكُ جُلُّه، ويتم اكتساب العلوم بالمطالعة والسماع لذوي التخصص بعلم معين مع استيعاب العلوم الباقية ولو بشكل جزئي، كل ذلك يجعل من الإنسان خزيناً لمعلومات مستوعبة تنفعه في الدنيا والآخرة، وتجعل له قرارات صائبة وحكيمة وناضجة.
كما أن التجارب من الأدوات التي نستطيع أن نكتسب من خلالها وعياً كافياً، فالتجارب التي يمر بها الفرد أو يتعظ بها عندما يمر بها آخرون لهي خير دروس تمنح الشخص وعياً خلال حياته، فتجعل منه شخصاً ملتفتاً لعاقبة ما يريد الولوج به من أعمال، ويكون صاحب تخطيط ناضج، وهذه تكتسب أكثر بمرافقة ذوي العقول أو الخبرات لتكتسب منهم المهارات التي أوصلتهم للنجاح في أعمالهم فيكون الشخص محظوظاً بذلك.
وإذا توسعنا قليلاً سنجد أن هناك أمماً تقدمت سياسياً واقتصادياً بعدما استفادت من تجاربها أو تجارب دول غيرها مرّت بصعاب واجتازت تلك المراحل.
ويكشف لنا التاريخ عن عظماء ساروا على خطى القادة الصالحين فنتج أن خلدهم التاريخ بمواقفهم، وللوعي أنواع يختلف باختلاف المواضيع فمنه:
أولاً: الوعي الفردي
والوعي الفردي يعني مجموعة الثقافات والتجارب التي تعلمها واكتسبها الشخص في حياته وهذه على عدة أنواع أيضاً فمنها؛ الثقافة الشخصية، والثقافة الدينية، والثقافة الاجتماعية.
1- الثقافة الشخصية؛ وهذا الجانب يختص بالاطلاع على المعلومات الخاصة بشخصية الإنسان ومعرفة مواطن القوة والضعف فيها لكي تكون لدى الفرد شخصية سوية، وهذه المرحلة مهمة خاصة للآباء في تربية أبنائهم وإلمامهم بطرائق غرس المفاهيم الصحيحة، وضرورية للفرد أيضاً في تقويم سلوكه، ولم يقتصر هذا الأمر على الاطلاع فقط، بل بالتطبيق للمعلومات والاستفادة من تجارب الآخرين ايضاً.
2- الثقافة الدينية، فقد قال الإمام الصادق، عليه السلام: «ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام» وهذا الوعي له من الأهمية بحيث يحدد مصير عمله، لأن من لا يفقه بأمور الدين سيدخل نفسه في موارد الحرام، كما أن الوعي الديني ضروري لكي يكون الإيمان راسخاً بقلوبنا عن علم ومعرفة، لا عن جهل أو عن طريق أشخاص بظاهر الدين، الأمر الذي يؤدي بنا لأن نتبع رجالاً منافقين، متسترين بالدين ولا نعلم بباطنهم بل نتبع هذا الطريق لمجرد أن هؤلاء الأشخاص متدينون، وعندما يتضح لدينا أنهم على باطل ستكون هناك ردة فعل معاكسة تجاه الدين، بعد أن نكتشف زيف هؤلاء المدعين، أو بالانجرار خلف أفكارهم التي هي ضد مصالح الدين والأمة، فنكون شركاء بأعمالهم الباطلة، لهذا حذر الإمام الصادق عليه السلام من ذلك بقوله: «من دخل في هذا الدين بالرجال، أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه ، ومن دخل فيه بالكتاب والسنّة ، زالت الجبال قبل أن يزول».
3- الثقافة الاجتماعية، ونقصد بها كيفية تعامل الفرد مع أبناء جلدته، فالواقع يحكي لنا اختلاف الأمزجة والشخصيات والطبائع، وهناك قاعدة عامة أعطاها لنا سيدنا ومولانا الإمام علي، عليه السلام، بقوله: «الانقباض بين المنبسطين ثقل، والانبساط بين المنقبضين سخف»؛ فمن كان منبسطا لا يجدر بنا أن نتعامل معه بثقل والعكس صحيح، وأن نتعامل مع المجتمع بثقة مبنية على التجربة، لا نعطي الثقة العمياء دون دراسة ودراية فنكون ساذجين ولا أن نشكك بكل الناس من حيث النوايا، ولا نثق بالأقوال بل نعزز ثقتنا بما نلمسه من الأفعال، وأن يكون حبنا للآخرين وسطيّاً. قال أمير البلغاء علي، عليه السلام: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا وَ أَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا»، أي التأنّي وعدم الإفراط في الحب أو البغض، وأن تكون صداقاتنا مبنية على حسن الاختيار لأن الصديق له دور كبير في تغيير مسار حياة الانسان على جميع الأصعدة سلباً وإيجاباً.
ثانياً: الوعي الجماهيري
وهو الوعي الناتج عن تضافر جهود ما سبقنا الإشارة إليهم من أصحاب الثقافة الدينية العاملين، وممن لديهم ثقافة اجتماعية، وثقافة فردية، من علماء وخطباء وكتاب وأدباء ومفكرين في مختلف ميادين الثقافات من أصحاب الفطرة والنوايا السليمة التي تهتم بالشأن العام وتقدمه على الشأن الذاتي والمصلحة الشخصية.
إن صناعة الرأي العام الصحيح والموّجه، يتحقق عن طريق تثقيف الأفراد والتصدي لمحاولات المنافقين الذين همهم وضع الغشاوة على عيون الكثيرين للحؤول دون الوصول الى الحقائق فيما يتعلق بحاضر الأمة ومستقبل الأفراد وتطلعاتهم، ومن ثمّ استغلالهم أو تزييف الحقائق، وصد المجتمع عن التفكير والتثقيف السليم، بل ان كل هَمّ المنافقين هو نشر الجهل في أوساط الأمة، وضخ الثقافات الخاطئة لكي تخلو الساحة لهم ليعملوا ما يريدون لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية أو عنصرية مقيتة لا تمُتّ إلى الإسلام والإنسانية بصلة إطلاقاً؛ فالوعي الجماهيري يجعل المجتمع يحسن اختيار من يضعون ثقتهم به على المستوى السياسي، ويبعدون كل من لا يريد لهم الخير، ويكون مجتمعاً واعياً لا تنطلي عليه الأكاذيب والخدع بالشعارات البراقة.
وبعد ما قدمناه يتضح لنا أن للوعي دوراً مهماً سواء أ كان على مستوى الفرد أم المجتمع، وعلى المستوى الديني أو الدنيوي؛ وخاصة ونحن نعيش في عصر انتشرت فيه التقنيات الحديثة التي من المفروض استغلالها في نمو وعينا و إدراكنا و تحصين أنفسنا بحيث يمكن أن نميز الخبيث من الطيب في زمن اختلت فيه الموازين وغابت الكثير من القيم وتضببت الرؤية على الكثير، فعن طريق الوعي تتضح الرؤية الصحيحة لدى الأفراد والمجتمع في كيفية التعرف على دينهم ومن يمثل ذلك الدين بالشكل الصحيح، كما يتعرف المجتمع على القائد الأصلح سياسياً لبلده وكذلك معرفة سبل التعايش مع أبناء الأمة الواحدة، وكيفية تخطيط الفرد الصحيح لمستقبله باستخدام أدوات الوعي الصحيحة.