ثقافة رسالية

حياة لا طعم فيها!

رأيته كئيبَ الوجه وكأن في صدره همٌ او ان مكروها قد أصابه، فسألته لاطمئن على حالته: خيراً، هل حدث شيء لا سامح الله؟

فأجابني، كلا، ليس هناك شيء!

فكررت السؤال بصيغة مختلفة، لعلك تمر بضائقة مالية؟

فقال لي، ابدا ان اموري المالية بخير، لكن المشكلة اني اشعر (أن الحياة ما فيها طعم) استوقفتني عبارته الأخيرة، وفكرت فيها مليا وسالت نفسي، هل هناك طعم للحياة؟!

والواقع أن هذا التعبير هو تعبير مجازي، فإذا أردت أن تقول: إن النوم لم يكن فيه فائدة ولم استفد منه بدل ذلك تقول، لم أذق للنوم طعما .

والمقصود في طعم الحياة هو أن هناك شعورا لدى الشخص يولّد فيه حالة الرضا عن طبيعة حياته، اما من يقول إن (الحياة ما فيها طعم) يقصد أنه غير راضٍ عن وضع حياته، ويفتقد إلى ما يضيف لها شيئا يجعلها ذات طعم ومستساغة في نفسه، حيث أن الاكل يصير ذو طعم إذا أضيف له القليل من الملح أو البهارات .

فما هي الاسباب التي تجعل الحياة ذات لونا باهتاً و مذاقا (ماصخا)؟

لعلّ اول الأسباب هو عدم معرفة غاية الوجود؛ تصوّر أن تعمل يوميا خمس ساعات في بناء حائط، من دون أن تعرف ما هو الهدف من بنائه، فهل يبقى لديك دافعا للاستمرار في العمل؟

فعندما يجهل الإنسان الهدفَ من وجوده في هذه الدنيا تصبح حياته عبثية، فهو يعمل حتى يجلب المال ويجلب المال حتى يعيش ويعيش حتى يعمل! وهكذا يدور في دائرة مفرغة مغلقة وبنهاية المطاف لا يجد لحياته طعما أو معنى .

بينما مَن يعتقد أن لوجوده في الحياة الدنيا غاية وأنه في دار امتحان وتهيئة لعالم آخر، فالدنيا دار ممر لا دار مقر، فإن تعامله مع طبيعة الحياة سوف يكون مختلفا، وذلك لأنه يرى هدفا لكل عمل يقوم به، وكل هدف يؤدي إلى هدف أعلى، فهو لا يمل من الحياة ولا يفقد طعمها .

والسبب الآخر هو انعدام تنوع الحياة، اي بمعنى أن الشخص يعيش نوعا واحدا من الحياة، وهو ما يسمى بالمصطلح الحديث بـ(الروتين)، فالإنسان بطبعه كائن متفاعل يحب التغيير والتنوّع .

وهل سألت نفسك مرةً لماذا السجن يعد عقوبةً ونوعا من أنواع التعذيب؟

عندما يجهل الإنسان الهدف من وجوده في هذه الدنيا تصبح حياته عبثية، فهو يعمل حتى يجلب المال ويجلب المال حتى يعيش ويعيش حتى يعمل

ذلك لانه يقيّد حركة الإنسان ويمنع من نشاطه، حتى وإن كان السجن خمس نجوم، فحاجة الروح إلى الحركة والنشاط والتنوع تعتبر فطرية لدى الإنسان، نقرأ قوله ــ تعالى ــ:  {هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ}.

وهل سألت، لماذا ماء النهر أصفى واطيب من ماء المستنقع؟

 السبب، لان الماء الاول جاري فهو متحرك، وأما الثاني فهو راكد . فالحياة ليست بلا طعم وليس لها طعم محدد، بل انتَ من يجعل لها طعما من خلال تعاملك مع طبيعة حياتك ومعرفة الهدف منها

عن المؤلف

علي الشمري

اترك تعليقا