بصائر

بصائر القرآن تساعد الإنسان لتحقيق النجاح

مثل البصيرة في القلب كمثل النظارة في العين، فكما ان العين الضعيفة لا تصبر الاشياء بصورة واضحة إلا عبر النظارة، فكذلك القلب الضعيف لا يرى الحقائق إلا ببصيرة، فما هي البصيرة؟

ومن اين نأتي بها؟

الجواب: البصيرة موجودة في القرآن الكريم، ذلك انه يزكّي النفس، فيجعل الإرادة اقوى من الهوى، والمشيئة اقوى من العصبية، والعقل أقوى من الشهوات، فالهوى هو الذي يسبب تشوّه في رؤية القلب، لان الانسان إذا احب آخر، فهو يغض الطرف عن مساؤئه، وإذا ابغضه فسيتغاظى عن ايجابياته ونتيجة ذلك ان القلب لا يعرف الحقائق، بينما إذا كان القلب قويا يرى الحقائق كما هي.

لذلك القرآن الكريم يقوّي القلب، والنفس، والارادة، ويزكي النفس البشرية {يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.

ثم بيّن القرآن الكريم ــ في سياق الآيات ــ  الحقائق الكبرى وهي بالنتيجة حقيقة واحدة، ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي: إذا قمتَ بإشعال عودة ثقاب فستكون هناك نار، وخصائص هذه النار نفس خصائص النار التي توجد في القنبلة الذرية، فمصاديق الحقائق سواء كانت تلك المصاديق صغيرة ام كبيرة فهي نفس الشيء، فإذا اتضحت الحقائق الكبرى عند الانسان فهو يقيس عليها بقية الاشياء.

فمثلا قال ــ تعالى ــ: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} هذه قاعدة وسنّة إلهية، فهذه المعادلة يمكن تجربتها في قضية صغيرة كمسألة ان التدخين يضر بصحة الانسان، او إذا تم حمل شيء ثقيل فهو يضر ايضا.

الانسان الفطن هو الذي يتسلح ببصائر القرآن الكريم التي توصله الى معرفة الحقائق، وحينها سيعيش حياةً محترمة، والمثال الواضح على ذلك هم العلماء، فهم متزودون ببصيرة القرآن الكريم؛ من هؤلاء العلماء المرجع الديني، لطف الله الكلبيكاني، والذي توفي عن عمر ناهز المئة وستة عاما، كانت حياته معتدلة، بينما تجد اشخاصا آخر في عمر الستين يعاني من الكثير من الامراض، وهنالك الكثير من المؤمنين يعيشون حياة طويلة محترمة، وهم في أتم السعادة النفسية والجسدية.

وحين يموت احدهم فالناس إما يترحمون عليه، او يلعنونه، وقد انشد الشاعر

إذا مِت فالناس صنفان فشامت

وآخر مثنٍ بالذي كنت اصنع

من اكثر البصائر التي يذكرنا القرآن الكريم بها، أن الحياة ردود افعال، فما يقرره الانسان تستجيب له الحياة: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}، وهذا قانون إلهي، سواء كان في المجتمعات البشرية، او الامة، او في التجمعات الصغيرة.

الانسان الفطن هو الذي يتسلح ببصائر القرآن الكريم التي توصله الى معرفة الحقائق، وحينها سيعيش حياةً محترمة

هذا القانون الالهي ينتج لنا شيئا مهما جدا وهو مسؤوليتنا عن الهدى والضلالة، فالله ــ تعالى ــ زوّد الانسان بكافة الحواس، فمن لديه عين فلا احد يقوده، فإذا وقع في الحفرة فهو يتحمل مسؤولية ذلك، لانه لم يفتح عينه، والله ــ تعالى ــ قد وهبَ لنا عقلا فإذا ضللنا الطريق فنحن نتحمل المسؤولية.

وإذا لم يلتفت الانسان الى هذا الأمر فالشيطان يتسلّل وينفذ، ويخيّل للفرد انه ليس مسؤولا عن فعله، فالبعض يلقي مسؤوليته عمله على ربه كما فعل ابن ملجم بعد ضرب أمير المؤمنين، عليه السلام، حين قال له الامام علي: أبئس الامام كنت لك حتى جازيتني بهذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقا عليك وآثرتك على غيرك وأحسنت إليك وزدت في إعطائك؟

قال: يا أمير المؤمنين أفأنت تنقذ من في النار؟

البعض يبرّر فعله بأن الزمن اصبح فاسدا، وآخر يلقي مسؤولية ضلالته على الناس”حشر مع الناس عيد”، وهنالك من يلقي المسؤولية على ابيه.

واليوم في بعض مجتمعاتنا الاسلامية هناك من يلقون مسؤولية اخطائهم واعمالهم على علماء الدِين، مدعين ان العالِم لم يتكلم، او انه لم يرشد بالشكل الصحيح، وهذا تبرير، لان عالم الدِين مجرد مبلّغ، فإن استجاب الناس ففي ذلك فائدتهم، وإن لم يستجيبوا فهم يتحملون مسوؤلية اعمالهم.

الانسان مسؤول عن عمله قال ــ تعالى ــ: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } فمن خلال البصيرة يرى القلب الحقائق.

{فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} لان هو المستفيد الاول، {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} مسوؤلية العمى يتحمله الانسان نفسه، وفي الحقيقة ليس أعمى، لانه لم يستفد من البصيرة، كما لديه ضعف بالنظر ولا يستفيد من النظارة، او من يعاني من ثقل في سمعه ولا يضع سماعة لأذنه!

{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} الرسول لا يكره أحدا على الايمان {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، لان الإيمان إرادة شخص، ولابد ان يكون نابعا من القلب، قال الإمام الحسين، عليه السلام، في دعاء عرفة: “عميت عين لا تراك عليها رقيبا وخسرت صفقة عبدٍ لم تجعل له من حبك نصيبا”.

من اكثر البصائر التي يذكرنا القرآن الكريم بها، أن الحياة ردود افعال، فما يقرره الانسان تستجيب له الحياة: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}

أدعية الإمام الحسين، عليه السلام، كالآيات القرآنية، فالايات نزلت في مناسبات معنية، صحيح ان المناسبة قد فاتت، لكن الآية باقية، قال ــ تعالى ــ: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، هذه الآية نزلت في حمزة سيد الشهداء، الذي استشهد في معركة احد، وفي حق اميرالمؤمنين، عليهما السلام، الذي استشهد في محراب الكوفة، فهل الأية لم تنزل لهما فقط.

 وكذلك الادعية الشريفة لم تكن لمناسبة معينة، فالمناجاة الشعبانية مثلا لها اوقات مستحبة لقراءتها، لكن لا يعني ان لا تُقرأ في بقية الأيام والليالي، فالادعية هي تجلية للقلب، وتكريس للبصائر القرآنية، وهي حبل الله المتين بينه وبين العباد.

{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} نصرف، اي بيان ابعاد الايات القرآنية، فالحقيقة الواحدة يبينها ربنا في آيات القرآن عشرات المرات من زوايا مختلفة.

{وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} من لديه علم يعرف ان البصائر القرآنية حقائق، فالقرآن قمة في كل الجوانب، في الفصاحة، والبلاغة، وفي حقائق الحياة كلها، واربعة عشر قرنا مرَّ على نزول القرآن الكريم ولا كلمة فيه غلط، مع محاولة كثيرة لذلك.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا