يحدثنا جهابذة التاريخ والسير عن ولادة النبي ومن ذلك ما روي عن السيدة آمنة بنت وهب أم النبي، صلى الله عليه وآله، فتقول عند ولادتي محمد: خرج من أحشائي نور وانتشر ناحية المشرق حتى بلغ أرض الشام، وعند ولادتي ظهر لي ملك وقال : عندما تضعين ولدك قولي: أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد ثم تسميه محمداً، وهذا الاسم هو الذي بشر به في التورة والإنجيل. (السيرة النبوية لابن هشام ج:١، ص: ١٢٥).
ولد رسول الله يوم الجمعة عام الفيل في شهر ربيع الأول في السابع عشر منه واستبشر جده عبد المطلب وسر سروراً عظيماً بهذا.
تتضمن حياة العظماء مواقف يمكننا التعلم منها، والاستفادة من آثارها ونتائجها، ولذلك تعد دراسة السير عموما مدرسة للحياة، نستقي منها الدروس والعبر ولأنها تتضمن الصبر والكفاح والإقدام ومواجهة المصاعب بالفكر والعمل، وتغيير سلوك البشر والمجتمعات فإنها تشكل برنامج عمل لمن يريد أن ينمّي شخصيته بكل أبعادها المعرفية والروحية والإجتماعية والسلوكية .
و الكلام عن رسول الإنسانية ومنقذ البشرية يحتاج إلى مؤلفات وذلك لعظم هذه الشخصية التي أنقذت العالم من الجهل والظلام إلى عالم التطور والحضارة، ونحن هنا نذكر حول المقام:
أولاً: امتازت شخصية الرسول الأكرم بصفات نادرة قلّما توجد في شخص، بل هو كما وصفه القرآن الكريم بأوصاف حميدة ومنها:
١- إنه ذو خلق عظيم ميزه عن باقي الأنبياء فضلا عن الناس
٢- كان كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من الأمور التي لو قام بها الإنسان فإنه يكثر من أعدائه، ولكن الرسول الأعظم كانت له شخصية مما أغضب عليه الكثير من العرب واليهود ممن كان يعيش بينهم.
٣- كان محبا للخير ومحبا للناس، يعطف على الصغير ويحترم الكبير، ويحترم المرأة التي كانت تباع وتشترى وقتذاك.
ثانيا: إن ما جاء به رسول الله من مبادئ الإسلام العظيمة، وتشريعاته النيّرة التي فاقت تشريعات الأمم المتمدنة اليوم، حيث وضع الأنظمة في طريقة معاملة البشر مع الآخرين، فوضع نظام الميراث، ونظام الزواج، ونظام الطلاق، وهكذا باقي الأنظمة من الحدود والديات والقصاص والتي هي اليوم مطبقة ولو جزئيا في العالم الإسلامي التي يحكمها حكام الجور التابعين للغرب.
إن محمداً رسول الإسلام ولد في حضن الوثنية ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر عبقرية فذة وانزعاجاً عظيماً من الرذيلة وحباً حاداً للفضيلة وإخلاصاً ونية حسنة غيرعاديين
ثالثا: أما عباداته فكان كثير العبادة، وهو الذي جاء بقوانين العبادات الإلهية من الصلاة والصوم والطهارة، فكان كثير الصلاة والصوم، وكان محبا للفقراء وحانيا عليهم.
رابعا: أول من كتب في سيرة الرسول الأعظم كان من علماء الشيعة، وأن السيرة المشهورة اليوم (سيرة ابن هشام فإنها تمثل مختصر لسيرة ابن إسحاق، وكان هذا شيعيا من طلاب الأئمة الطاهرين، وعليه فالشيعة كانوا من السباقين في الكتابة عن سيرة الرسول الأعظم الله.(ص وآله) أنه بحق النعمة على الخلائق جمعاء.
وقد عبر عنها القرآن الكريم بقوله: {وما أرسلنك إِلَّا رَحْمَةً لِله للعالمين}، ولا أحسب أن هناك نعمة أعظم من هذه النعمة، إذ مَنَّ الله علينا وجعله لنا وخصنا به، بمعنى آخر أن الله سبحانه وتعالى خصنا برحمته الكبرى، إذ وهب لنا هذه الرحمة التي من خلالها نسلك سبيل الهداية والفوز برضى الله ورسوله.
فهو، صلى الله عليه وآله، الفيض الإلهي الذي وهبه ــ سبحانه وتعالى ــ لعباده لنشر الخير الوفير والسعادة الأبدية والهداية فكان الإهتمام من قبل ائمة أهل البيت، عليهم السلام بتدوين، سيرة الرسول وصفاته في القرآن الكريم.
فقد تفردت مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، بالحث على تدوين السنة الشريفة والاهتمام بحفظها ونشرها، بالرغم من حظر التدوين الذي كان يمارس على الصحابة والتابعين تحت شعار : يكفيكم كتاب الله تعالى، ومن كان عنده شيء غير القرآن فليمحه !
وقد اهتم القرآن الكريم ببيان سيرة الأنبياء والصلحاء، ودعا إلى الاقتداء بسيرهم، والاعتبار بسيرة الغابرين والاتعاظ بها، كما دعا وأكد على الاهتمام بسيرة خاتم الأنبياء وسيدهم محمد بن عبد الله ، وحثَّ المسلمين على الاقتداء برسوله الكريم في قوله تعالى : {وَلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَة حَسَنَةٌ}. (سورة الأحزاب: ٢١).
ثم أمر المسلمين جميعا بالالتزام بما يصدر عن رسوله الذي لا ينطق عن الهوى بقوله تعالى: {وما النكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا تَهَنَكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. (سورة الحشر:٧)، ومن المعلوم أن السيرة العظيمة للنبي، صلى الله عليه وآله، قد تعرضت للكثير من الجعل والافتراء والتشويه على أيدي الكثيرين من حكام ومندسين وغيرهم، حيث حاول هؤلاء النيل من شخصية النبي وسيرته، وقد نفذت هذه الخطة عن طريق دس نصوص مُختلقة ومزيفة في كتب السيرة والتاريخ تسيء إلى رسول الله وتنسب إليه ما لا يليق به .
وفي ذكرى ولادتك سيدي يارسول الله، أخاطبك وأنا العبد الفقير الذليل لله ولك ولأهل بيتك الغر الميامين فأقول: ياسيد الخلق ويا من منحك الله قبسات من نوره البهي فكنت المنقذ والهادي والبشير والصادق الأمين، لقد تحدث عنك الكثير من أصحاب الأقلام الشريفة والنفوس الطيبة المنصفة من مسلمين وغير مسلمين ومنهم مفكرون غربيون منصفون سخروا أقلامهم لقول الحق
فهذا البروفيسور جارسان دي ناسي يقول: مجلة صدى الرسالة ص ٣٢. (إن محمداً رسول الإسلام ولد في حضن الوثنية ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر عبقرية فذة وانزعاجاً عظيماً من الرذيلة وحباً حاداً للفضيلة وإخلاصاً ونية حسنة غيرعاديين، إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد إسم “الأمين).
إن ما جاء به رسول الله من مبادئ الإسلام العظيمة، وتشريعاته النيّرة التي فاقت تشريعات الأمم المتمدنة اليوم، حيث وضع الأنظمة في طريقة معاملة البشر مع الآخرين
ويقول البروفيسور ليك: (إن حياة محمد التأريخية لا يمكن أن توصف بأحسن ما وصفها الله نفسه بألفاظ قليلة لكنه رغم ذلك بين فيها صفة النبي حيث قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} إن يتيم آمنة العظيم قد برهن بنفسه على أنه أعظم الرحمات لكل ضعيف ولكل محتاج الى المساعدة).
اما الفيلسوف تولستوي صاحب ملحمة (الحرب والسلام) يقول: (إن محمداً هو مؤسس ورسول الديانة الإسلامية التي يدين بها في جميع جهات الكرة الأرضية مائنا مليون نفس) هذا في زمانه أما اليوم فالمسلمون بلغ تعدادهم حوالي مليار ونصف بفضل هذا النور المحمدي الذي أنار الكون برمته أكتفي بهذا القليل اليسير من أقوال كبار المفكرين الأجانب.
ونحن نشكر الله الذي بعثك بالحق رسولاً ورحمة للعالمين والى روحك النقية الطاهرة ونبرأ من كل هذه الأعمال الهمجية التي رفضتها قيم الإسلام، وشريعته السمحاء ستبقى سيدي يارسول الله نوراً أبدياً ينير الطريق للبشرية مادامت الأرض والسماء رغم كيد الأعداء وغدرهم وافتراءاتهم وتخرصاتهم وسنبقى نردد ما قاله حسان بن ثابت ما دام في أجسادنا عرق ينبض:
وأجمل منك لم تر قط عيني
وأحسن منك لم تلد النساء
خلقت مبراً من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء