ما الفرق بيني أنا الشيعي العراقي، والشيعي الافغاني؟
بداية؛ أسفي واعتذاري للقراء الكرام في كل مكان على هذه اللغة الطائفية المباشرة للمرة الأولى –ربما- بيد أن الخَطْب الجَلل الواقع بشكل مستمر على إخواننا في أفغانستان يدعونا للتأمل قليلاً فيما نحن عليه، حتى نخرج بتفسير يرضي العقل ويسكّن الوجدان لكل ما يجري في هذا البلد، ليس اليوم وفي ظل حكم طالبان، بل منذ أن غابت ملامح الدولة والقانون عن هذا البلد والشعب تماماً.
ربما يُقال: كثرة المصائب في بلادنا الإسلامية، وتكرار مشاهد الموت للأطفال والنساء والابرياء، لاسيما في غزّة هذه الأيام، تقلل من شأن أنباء عن استشهاد العشرات من الأفغان الشيعة بين فترة وأخرى بفعل أعمال إرهابية، ولسان حال البعض: عشنا الموت في العراق على يد صدام، وبعدها على يد أعوان صدام، وعشنا الموت في اليمن تحت القصف السعودي، وعشنا الموت في ايران أيام حرب الثمان سنوات، وعشنا الموت في سوريا أيام الحرب على الإرهاب، وعشنا الموت في البحرين، وليس من جديد، ولكن!
إن تجرؤ الإرهابيين على الإيغال في دماء الأبرياء في أفغانستان، وبشكل متكرر، يُنبئ عن شعور بالأمان من أصوات اعتراض من المحيط الإقليمي والدولي
اعتقد ثمة فارق كبير بين من يموت في هذه البلدان، ومن يموت في أفغانستان.
ففي العراق الأكثر دموية، تجرّع الشيعة التمييز الطائفي، والقمع السياسي، بيد إن الشيعي اليوم أفضل بكثير مما كان عليه الحال في السابق، ولا حاجة للتفصيل، لاسيما بالنسبة للقارئ العراقي، وفي البحرين؛ الأكثر إهمالاً لقضية الشيعة، إعلامياً، وسياسياً، فان أوامر تصدر بين فترة وأخرى بالافراج عن المعتقلين السياسيين، ويعودون الى بيوتهم وعوائلهم مكرمين، والأوضاع هناك مستقرة نسبياً، أما في أفغانستان فان القتل والاضطهاد والتمييز والاستضعاف متواصل عبر خط طويل ممتد مع الزمن لا يتوقف على شكل عمليات إبادة جماعية مريعة.
ولا يبدو أن ثمة بصيص نور وسط الظلام للشيعة يتفاءلون به، مما يعني أننا –كشيعة أمير المؤمنين- أمام مسؤولية إنسانية، ثم أخلاقية، ثم حضارية لاتخاذ موقف جماهيري واضح للتضامن مع إخواننا في أفغانستان، من خلال تفعيل منصات التواصل الاجتماعي، وتحريك نشاط المؤسسات الإعلامية والثقافية في مختلف بلاد العالم للتعريف بما يجري في هذا البلد المنسي.
إن الشيعي الافغاني لا يختلف كثيراً عن الشيعي العراقي في عقيدته وانتمائه، إنما الفارق في الظاهر فقط، كما هو الحال مع سائر شيعة أمير المؤمنين في جميع أنحاء العالم، فالجميع عاشوا الاضطهاد والقتل والتشريد، سواءً من هم في بلادهم حالياً، أم من يعيشون في بلاد المهجر حول العالم، مما يجعلهم مطالبون لإعادة إحياء القضية العادلة التي ناضلوا من اجلها، وهي؛ حق المواطنة، وحرية التعبير عن الرأي، ثم المشاركة السياسية.
فكما أن العراقي رفع راية المعارضة والنضال للمطالبة بهذه الحقوق، ودعا العالم الإسلامي، والعالم كله للتضامن معه أيام حكم الديكتاتورية، فإن الافغاني له الحق ايضاً في رفع هذه الراية، مع فارق الإمكانات بين الشعبين، مما يتطلب مد يد العون للمساعدة لتحقيق أفضل النتائج لوصول صوت الشعب الافغاني الى العالم أجمع.
إن تجرؤ الإرهابيين على الإيغال في دماء الأبرياء في أفغانستان، وبشكل متكرر، يُنبئ عن شعور بالأمان من أصوات اعتراض من المحيط الإقليمي والدولي، وإلا بماذا نفسّر انفجار عبوة ناسفة داخل بيت زائر قادم من كربلاء المقدسة، أدى زيارة أربعين الامام الحسين، وسط جمع من أصدقائه واقاربه المهنئين له على سلامة العودة؟! أو تعرض اثنان من الإرهابيين لحافلة على متنها خمسة وعشرين شخصاً كانوا يعتزمون استقبال زائرين الأربعين، وانزالهم من الحافلة ورميهم بالرصاص بشكل مروع وظالم، ونقلت مصادر أن الإرهابيين نشروا مقاطع للجريمة، وكيف أنهم يقتلون الأبرياء بدم بارد، بين من هو ملقى على الأرض، ومن هو في حالة الفرار للنجاة.
إننا – كشيعة أمير المؤمنين- أمام مسؤولية إنسانية، ثم أخلاقية، ثم حضارية لاتخاذ موقف جماهيري واضح للتضامن مع إخواننا في أفغانستان
أكرر أسفي على السياق الطائفي الخاص في تناول هذا الموضوع المؤلم، وإلا فان خطابنا المعهود مرتبط بالثقافة التي تعلمناها من رسول الله، صلى الله عليه وآله، حيث قال: “من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم”، والحديث الآخر الذي يحفظه الكثير دون تطبيق عملي للأسف: “مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى”، و يا له من وصف جميل ورائع لمبدأ انساني وحضاري عظيم، ويا لخسارتنا الكبيرة لمضمون هذا الحديث، وكلنا ظنٌ بأننا محتفظين بإسلامنا و شيعيتنا من خلال التواجد بالقرب من المراقد المقدسة، وإقامة الفرائض الدينية، والمشاركة بأعمال البر والإحسان في أجواء من الحرية والرفاهية.