بينما تمرر المنشورات بلا اكتراث على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في محاولة لتجاوز ليلة أخرى مملة كما الليالي السابقة، يتوقف نظرك فجأة عند اسم يحرك في ذهنك ذكريات قديمة، تستوقف قليلا لتتأمل الصورة بجانب الاسم، وتدرك أن السنوات قد مضت بالتأكيد، ولم يعد ذلك الطفل الصغير الذي كان يشاركك مقاعد الدراسة في الابتدائية، ومع ذلك لا تزال ملامحه مألوفة.
تفكر في إرسال طلب صداقة ورسالة ودية لإحياء علاقة انقطعت منذ ما يقارب ربع قرن، لكن قبل أن تضغط على أيقونة الإرسال، تتوقف للحظة، ثم تمسح الرسالة وتقرر ترك تلك الصداقة في طي النسيان، لا تقلق، فأنت لست وحدك تمر بهذه الحالة من التردد، فكثير من الناس يجدون صعوبة في إحياء الصداقات القديمة.
ويجد بعض الأشخاص صعوبة في التواصل مع الأصدقاء القدامى، وتوضح بعض الدراسات التي أجريت من قبل مراكز مختصة، ان عدد الأصدقاء الذين تحافظ على التواصل المستمر معهم يتناقص بعد عمر 25، وذلك بسبب تراكم الأعباء والمسؤوليات وسرعة إيقاع الحياة مع اتساع الدوائر الاجتماعية بحكم العمل مثلا أو الزواج.
وقد يكون من الصعب الحفاظ على تواصل دائم مع الأصدقاء القدامى، مما يؤدي إلى اختفاء العديد من العلاقات التي كانت في يوم ما محورية في حياتك، وعلى الرغم من رغبة كثيرين في إحياء تلك العلاقات، فإنهم قد يجدون صعوبة في اتخاذ خطوات فعلية لتحقيق ذلك.
وتأتي عملية إعادة الصداقة والتواصل مع الأصدقاء القدامى بمثابة الحديث مع اشخاص غرباء، وفي العادة الحديث مع الشخص الغريب، تسبقه موجة من المخاوف والتردد، وهنا يكون الخوف او التردد من عدم معرفة طبيعة التعامل او الطريقة التي سيتواصل بها من الصديق القديم الجديد في الوقت نفسه.
لتتجاوز هذه العقبة عليك ان تبدأ بالحديث عن الذكريات، خاصة السعيدة منها، اذ سيساعدك ذلك على التخلص من الحرج المبدئي واستعادة الأيام الخالية، عبر عن اهتمامك بمعرفة ما صاروا إليه
وخلصت دراسة اجراها باحثان على عينة بلغت أكثر من مئتين شخص تم تقسيمهم إلى قسمين: أحدهما أمضى 3 دقائق في كتابة الرسائل إلى الأصدقاء الحاليين فيما يشبه نوعا من الإحماء، بينما أمضت المجموعة الثانية 3 دقائق في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ثم طُلب من الجميع صياغة رسالة وإرسالها إلى صديق قديم. وأثبتت المهمة نجاحها، إذ تمكن 53% من المجموعة الأولى من إرسال الرسالة، بينما لم ينجح من المجموعة الثانية سوى 31% فقط.
وطبقا للدراسة، فإن المسافة النفسية التي تتكون بمرور الوقت تعد العقبة الرئيسة أمام إعادة التواصل، وبمجرد تخطيها يصبح الأمر أسهل، وللتخلص من هذه العقدة ولكسر هذا الحاجز، يمكنك أن تبدأ باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي، فهي تخلق نوعا من الألفة، يمكن اعتباره إحماء أو عتبة أولية قبل الانتقال إلى الخطوة التالية وهي إجراء مكالمة هاتفية أو اللقاء وجها لوجه.
لماذا نكون بحاجة إلى إحياء الصداقات القديمة؟
هناك العديد من الفوائد النفسية التي يمكنك التمتع بها عند استعادة تواصلك مع صديق قديم، من بينها، استعادة الذكريات السعيدة، اذ يشبه قضاء الوقت مع صديق قديم إعادة فتح جرة سحرية تحمل ذكريات قديمة لأوقات كنتما فيها أهدأ بالا وأكثر خفة، وكذلك يمكن من خلالها رؤية حياتك من منظور جديد، بحيث يمكن أن يقدم لك الصديق القديم نظرة مختلفة إلى حياتك، تساعدك على رؤية ما أنت عليه الآن مقارنة بما كنت عليه في الماضي، وذلك قد يساعدك على تقدير مسيرتك حق قدرها.
مخاوف استعادة العلاقات القديمة
عندما تفكر في استعادة صداقة قديمة، قد تشعر بالقلق، وتعصف برأسك التساؤلات عن مدى إمكانية استئنافها خاصة مع وجود بعض العقبات والمخاوف، منها الخوف من الرفض، فربما يبحث صديقي عن شخص آخر ليس كما ابحث عنه، وقد لا توجد لديه الحماسة ذاتها التي تتمتع بها للحديث معه او ملاقاته، لا يمكن ان تعرف على الردود الا بعد خوضك التجربة.
ويأتي من بين المخاوف هو القلق من مواجهة الغضب والضغائن القديمة، ففي بعض الأحيان قد يحمل هذا الصديق غضبا تجاهك لشعوره بأنك تخليت عنه، لكن ذلك يتوقف على الطريقة التي انقطعت بها سبل التواصل بينكما، وكذلك على مدى قوى العلاقة السابقة، ويكون من بين الأسباب الخوف من التغيير، فمع مرور الوقت يتغير الناس وتتخذ أفكارهم ونظرتهم إلى الحياة مسارات مختلفة عما كانوا عليه في صغرهم، حاول أن تبحث عن المشترك بينكما وتعززه.
ولا يقتصر الامر على التغيرات الفكرية فقط، فقد ينتج عن تفرق مساراتكما العملية أن ينتمي كل منكما إلى طبقة اجتماعية ومادية مختلفة عن الآخر وذلك يخلق مقارنات مزعجة.
اهم النصائح لاستعادة التواصل مع الأصدقاء القدامى
يستهل هذه النصائح البدء باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كي تتخطى توترك، وذلك بإرسال رسائل قصيرة، ومتابعة منشوراتهم والتفاعل معها من أجل إعادة بناء العلاقة بصورة طبيعية، يعقب ذلك التعبير المشاعر بصدق وعن أهمية استعادة هذه العلاقة وما تمثله لك، سيساعدك ذلك على إذابة الجليد، والتخلص من قلق الرفض.
استعادة الذكريات السعيدة، يشبه قضاء الوقت مع صديق قديم إعادة فتح جرة سحرية تحمل ذكريات قديمة لأوقات كنتما فيها أهدأ بالا وأكثر خفة
اما النصيحة الأخرى لتتجاوز هذه العقبة عليك ان تبدأ بالحديث عن الذكريات، خاصة السعيدة منها، اذ سيساعدك ذلك على التخلص من الحرج المبدئي واستعادة الأيام الخالية، عبر عن اهتمامك بمعرفة ما صاروا إليه، اطرح مزيدا من الأسئلة للتعرف على هويتهم الحالية وما وصلوا إليه.
خلاصة؛ لن ترجع أي علاقة سواء كانت قديمة ام حديثة عهد دون ان يكون الفرد مستعدا لتجاوز الصراعات والضغائن القديمة، ولديه القدرة على تخطي أسباب انقطاع العلاقة، والتركيز على الأمور الإيجابية، أضف الى ذلك ضرورة وضع خططا مستقبلية للعلاقة، لا تدعها تقتصر على مقابلة أو اثنتين فقط، خاصة إذا اكتشفت وجود اهتمامات مشتركة بينكما، فبعض العلاقات تستحق استعادتها من تحت الرماد وبث الروح فيها، فلا تتردد في بذل المحاولة.