هناك سؤال مهم يُثار من قبل الشباب، يسألون بعضهم بعضا: هل بدأت في بناء نفسك، هل رسمت الصورة المطلوبة لمستقبلك؟
الحاضر والمستقبل هما هاجسان لا يفارقان الشاب، يفكر فيهما ليل نهار، لاسيما أننا نعيش اليوم في ما يشبه السباق نحو بناء النفس والتأسيس لحاضر جيد، والانطلاق نحو مستقبل مشرق جيد مختلف منتج ومضمون.
كم من شبابنا العراقيين سأل نفسه السؤال في أعلاه، وكم منهم بات مستعدا لمواجهة تحديات بناء الحاضر والمستقبل، وهل باشر فعليا بالخطوات التي تقوده نحو التأسيس والمباشرة في بناء حاضره؟ وهل رسم صورة معينة لمستقبله، أم أنه ترك الحبل على الغارب، وهو يردد مع نفسه: (لا فائدة من التخطيط ونترك الأمر للقسمة والنصيب، أو للأيام التي تتكفل الحاضر والمستقبل)، بالطبع هناك فعلا شباب يتركون قضية البناء للأيام أو للمجهول!
ولكن ما هي أسباب عدم نهوض الشاب بمسؤولية بناء الحاضر، لماذا لا يبادر وينطلق في قضية البناء الفعلي المرسوم والمخطط لحاضره ومستقبله؟
توجد أسباب كثيرة تجعل الشاب غير مهتم للتحديات التي يواجهها في قضية بناء الحاضر والمستقبل، منها تربيته التي تقوم على اللامبالاة حيث ينشأ في أسرة أو في محيط عائلي واجتماعي لا يفهم ولا يعترف بأهمية التخطيط لبناء الحاضر، وهناك عادة تنتقل من الآباء للأبناء وللأحفاد أيضا، ألا وهي عادة اللامبالاة، وعدم الاهتمام بقضية وأهمية التخطيط، فيترك الشاب حياته تتلاعب بها الأيام والأقدار، ثم تسير به السنوات سريعة ليجد نفسه في الكهولة وقد تجاوز الأربعين وهو لم يحقق أي شيء مهم في حياته.
مواجهة التحديات يجب أن تقع في صلب اهتمام الشاب، حتى لو كانت عائلته أبوه وأمه، لا يهتمون بالبناء والتخطيط، عليه هو أن يرسم ويخطط لحياته، حاضره ومستقبله، لاسيما أننا نعيش في عصر الانترنيت والذكاء الاصطناعي والانفتاح الهائل على المعلومات وتبادل التجارب والثقافات، حيث يمكن للشاب أن يطلع بشكل كبير على تجارب علمية عملية تضيف له الكثير ويمكنه الاستفادة منها في بناء حياته.
هناك شاب أعرفه جيدا، رافقني في دراستي الابتدائية والمتوسطة والاعدادية وحتى الجامعية، بدأنا منذ طفولتنا على مقعد دراسي واحد، جمع فيما بيننا وانتقلنا معا من صف إلى آخر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى، تعلمتُ منه المثابرة، والبحث عن الجديد، وعدم إضاعة الوقت، والتخطيط لكل الأعمال والواجبات التي عليه القيام بها.
مواجهة التحديات يجب أن تقع في صلب اهتمام الشاب، حتى لو كانت عائلته أبوه وأمه، لا يهتمون بالبناء والتخطيط، عليه هو أن يرسم ويخطط لحياته
وحين دخلنا مرحلة الشباب لاحظتُ عقليته العلمية العملية المتوقدة، فقد كان ذكيا علميا وعمليا في نفس الوقت، وجعلني أتأثر بشخصيته وأسلوب تفكيره، وبعد أن كانت حياتي وأيامي تسير لوحدها كما تشاء، تعلمت من صديقي أن أخطط لها وأن أوجه تحديات الحاضر، وأن لا أترك وقتي يذهب سدى، حتى اللعب كان له الوقت المحدد والمخطط له مسبقا، علمني الصلاة ونحن في الابتدائية وكان يجيد تلاوة القرآن.
هذا الصديق اليوم طبيب مهم وناجح، وإنسان ناجح جدا، استفاد من قضية التخطيط المسبق لحياته، فرسم حاضره جيدا، ورسم الصورة المستقبلية التي كان يحلم بها ويسعى لها، وقد وصلها فعلا، ويعد اليوم من الرجال الناجحين، والشيء الرائع أيضا أنه أصبح رب عائلة وربّى أبناءه على نفس تربيته وطريقته واهتمامه في بناء الحاضر والمستقبل.
لذا من المهم على شبابنا أن يواجهوا التحديات بشكل علمي وعملي، وأن يتركوا اللامبالاة جانبا، وأن يستثمروا قوتهم الشبابية اليوم بأقصى ما يستطيعون، لأنهم مستقبلا لن يعثروا على القوة العضلية، ولا العقلية التي تعينهم على التفكير السليم أو العمل المتواصل لساعات طويلة من الجهد المرهِق، لهذا من المهم جدا أن ينتهز الشاب هذه المرحلة العمرية المهمة ويبني حياته ويطور قدراته وخبراته عبر التخطيط المسبق.
الفائدة هنا عادة تكون فردية، فالشاب الذي يبني نفسه وحاضره جيدا ويخطط لمستقبله، فإنه سوف يحقق نجاحا فرديا ملموسا، لكنه حتما سوف يفيد أسرته، أخوته، ومن ثم زملاءه وأصدقاءه، لهذا هو لا يهدف إلى الفائدة الشخصية فقط، وإنما سوف يصبح عنصرا شبابيا ناجحا في بناء عموم المجتمع، حيث ينقبل خبراته وقدراته إلى الآخرين ويساعدهم على كيفية مواجهة تحديات بناء الحاضر ورسم المستقبل المشرق.