ثقافة رسالية

كيف يكون عقلك الحاكم الوحيد؟

ليس شيء كالهوى يُضل الإنسان ويرديه، الهوى عدوّ داخلي يأتي الانسانَ في صورة صديق، “الهوى رأس المحن” و”مطية الفتن” يقول امير المؤمنين، عليه السلام.

وما سمي هوى إلا لأنه يهوي بالانسان الى أسفل السافلين، وقد قال ربنا ــ سبحانه ــ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّه}. وإذا درسنا تاريخ كل المجرمين والطغاة، فإننا نصل الى نتيجة واحدة وهي أنهم كانوا يتّبعون أهواءهم، يقول الله ــ عز وجل ــ {بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}، ويقول ــ سبحانه ــ: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}.

إن الهوى يؤدي الى تزييف العناوين المعنوية والمادية وإفراغها من مضامينها، فأمور من قبيل الغنى والفقر، والحرية والعبودية، كلّها تزيّف بحسب الاهواء، ولا تدل على معانيها الواقعية، فالذي يتبع الهوى ليس إلا عبدا ولكنه يظن أنه حر.

ويروى أن أحد الملوك بعث الى  عابد من العبّاد، وقال له: ما لك لا تخدمني وأنت عبدي؟

قفال له العابد: لو اعتبرتَ حقا، لعلمتَ أنك عبد عبدي، لانك تتبع الهوى فأنت عبده، وإني أملك الهوى فهو عبدي، فأنت عبد عبدي.

إن الهوى آفة العقل، لانه يتطفل على مواهبه وقدراته، ولذلك فهو أخطر الأعداء لانه يسلب الانسانَ لبّه، فيمشي في طريق السقوط وهو يظن أنه يتسلق القمم.

ومن هنا كان الانبياء والأوصياء، عليهم السلام، والحكماء الذي أرادوا الخير للبشرية يوصون أممهم بمخالفة الهوى، لان “الهوى شريك العمى” (نهج البلاغة) فمن يطيع هواه يضله ويفسد عليه دينه وديناه، يقول ربنا: {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}.

إن المطلوب هو أن تجعل عقلك حاكما وهواك محكوما، اي يتوجب ان يكون قرار الانسان رهين عقله، لا رهين هواه، فـ “في خلاف النفس رشدها”. (تحف العقول).

إن الهوى آفة العقل، لانه يتطفّل على مواهبه وقدراته، ولذلك فهو أخطر الأعداء لانه يسلب الانسانَ لبّه، فيمشي في طريق السقوط وهو يظن أنه يتسلق القمم

والقانون المطلوب هو ان تنظر الى أين يتجه مؤشر الهوى فتسير بعكسه، يقول الإمام الكاظم، عليه السلام: “إذا مرَّ بك أمران لا تدري أيهما خير وأصوب فانظر ايهما اقرب الى هواك فخالفه فإن كثير الصواب في مخالفة هواك”.

وقد يسأل سائل: وما علاقة الهوى ببناء الشخصية وتقويتها؟

والجواب: إن الهوى له تأثير سلبي على الانسان وشخصيته، ونشير هنا الى بعض الأمور:

أولا: الهوى يلعب دور المثبط للنجاح، والمحارِب له، فهو يدعو الانسان الى الكسل، ويدفعه الى الخلود والراحة والنوم، وعدم العمل، بينما النجاح والتقدم بحاجة الى بذل الجهد وهجران الكسل والنوم.

ثانيا: إن العقل والارادة هما اللاعبان الاساسيان في بناء الشخصية، والهوى هو العدو اللدود للعقل والارادة، فـ”مَن قوي هواهُ ضعف عزمه”، و”كم من عقل أسير عند هوى أمير”، فإذا تحرر الانسان من براثن الهوى انطلق علقه، وقويت ارادته، وبالتالي استطاع صياغة شخصيته القويّة.

إذن، فالهوى هو عدوّك، ولكن كيف تتخلص منه؟

يكون التخلص منه بمخالفته مرةً بعد الأخرى فيضعف ويزول.

إن الطريق الى ذلك هو ان تنظر الى نقاط ضعفك فتصمم على ان تتركها، ولو لاربع وعشرين ساعة، وإليك مثال على ذلك: إذا كنت ممن يعاني من التردد، فضع لنفسك يوما معينا تتمرن فيه على اتخاذ القرار بلا تردد، متحديا حالة التردد عندك، ولو ليوم واحد في الاسبوع، عندها ستجد انك حصلت على نتائج مذهلة.

وإذا كنت خجولا فضع تمرينا لأن تقحم نفسك فيما تخجل منه، وهكذا إذا كنت تترك الاعمال في منتصف الطريق، فحاول في يوم واحد أن لا تبدأ عملا إلا وتكمّله، وإذا كانت لك عادة سيئة كأن تنام وقت العمل، فقرر ان تخالف هوى النوم، وإذا كنت ممن يتكاسل عن الاعمال الصالحة فاتبع تمرين مخالفة الكسل، لكي تكون على وئام مع الحيوية والنشاط، ولا تقف عند اتخاذ القرار فقط، وإنما قن بالفعل بتطبيق ما تقرره،  لتعلن موقفك المسوؤل ضد عاداتك السيئة الى جانب العقل، فتغلب هواك.

اعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروه، فسوف يستدرجك الهوى الى كثير من الضرر الذي هربت منه

واعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروه، فسوف يستدرجك الهوى الى كثير من الضرر الذي هربت منه.

فكن لنفسك مانعا رادعا، بحيث يتحكم عقلك في نفسك، وهذا يتطلب ان تخادع نفسك عن نفسك، وحتى تنقذ نفسك من نفسك وتنجو من الهلكات.

ومما لا جدال فيه؛ أنك إذا خالفت هواك تنقاد لك نفسك، فإذا بك تشعر بأنك قادر على ان تفعل ما تريد، وأنه لا حواجز تمنعك من تحقيق آمالك واهدافك في الحياة، لان” مَن ملك نفسه علا أمره” و “من ملكته نفسه ذلّ قدره” يقول أمير المؤمنين، عليه السلام..

فإذا أصررت على ان لا تنساق مع غضبك، وان تمتنع عما ترغب فيه، ولا تستسلم لما يرهبك حينئذ تكون قد ملكت الهوى، ويغدو هواك طاقة في اختيارك، ولا تكون أنت عبدا ذليلا لها.

ولا شك أن هذا بحاجة الى تمرين وتدريب، وقد لا يكون سهلا، إلا أنه أمر ممكن، لكنه بحاجة الى إرادة قوية وعزم راسخ، وعليك بالتعهد مع ربك بأن تكون دائما مع الحق، وان لا تحيد عنه، حتى لا يقودك الى متاهات الباطل.

كلّ ذلك بحاجة الى عزم وارادة راسخ، وقرار صارم، وتحديد وقت تقوم بتطبيق ذلك وسترى النتائج.

_________

(مقتبس من كتاب “كيف تبني شخصيتك” لسماحة السيد هادي المدرّسي حفظه الله)

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا