ثقافة رسالية

ما علاقة البناء المعرفي والتحصين من الشبهات؟

لو قام احدهم باجراء سباق فيمن يستطيع ان ينشئ أكثر عدد من الشبهات والتشكيكات، فيا ترى من سيفوز في هذا السباق؟

هل اكثر الناس علما ومعرفة هو الذي يصنع الشبهات؟

أم أن صناعة الشبهة لا تعتمد على العلم والمعرفة؟

صناعة الشبهة والتي تتواجد في زماننا هذا في كل الاتجاهات، لا تكون عن علم ومعرفة، فليس بالضرورة من يلقي الشبهات ان يكون إنسانا عالما وفاهما.

و اليوم ــ حسب الظاهر ــ ان البشرية استطاعت ان تصل الى نعمة من نعم الله، لم تصل اليها قبل هذا الزمن، فهذا العصر يسمى (عصر ديمقراطية المعرفة) فكل إنسان يستطيع ان يحصل على المعرفة دون ثمن وتعب، فبإمكان اي واحد منا بضغطة زر ان يصل الى بطون الكتب العلمية والمعرفية عن طريق الشبكة العنكبوتية.

و المفترض مع توفر الكم الهائل من الكتب ان تصبح البشرية اكثر علما ومعرفة، لكن الواقع خلاف ذلك، فالعلماء يصرحون ان هذا العصر هو عصر الجهل والتجهيل، فلم يمض زمان اختلطت فيه الحقائق مع الاكاذيب كزماننا هذا في كافة النواحي، فتجد حقيقة واحد وفي قبالها عشرات الاكاذيب والشبهات، لذلك التعبير عن شبهة ما بإنها (كذب) لم تعد تكفي، لذلك تجد في القواميس الحديثة عشرات المفردات يصفون بها موضوع الكذب والتضليل، ومن الكلمات المستخدمة ــ مثلا ــ الاخبار الزائفة، نصف الحقيقية وما اشبه.

وكيفية التعامل مع الشبهة يختلف ذلك من إنسان لآخر، فمن كان بناؤه المعرفي قويا وصلبا، فالشبهة ــ وان كانت قوية ــ لكنها لا تؤثر فيه، لذلك في بعض روايات اهل البيت، عليهم السلام، يُشبّه المؤمن بالجبل، قال الإمام الباقر، عليه السلام: “المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقل منه، والمؤمن لا يستقل من دينه شيء”.

وفي المقابل هنالك إنسان منظومته المعرفة هشّة كالزجاجة الكبيرة، ما إن تضرب بحجرة صغيرة حتى تتكسر كلها، او كنفاخة كبيرة تثقب برأس إبرة صغيرة فتتلاشى.

وتجهيل الناس في زماننا هذا ببث الشبهات لا يقتصر على الجانب الديني فحسب، ففي الجانب العلمي ــ مثلا ــ هنالك اناس في عامنا هذا (2024) يعتقدون بالصحون الطائرة،  أو ان الارض مسطحة، مع انها حقائق واضحة، لكن يتم ترويجها بطرق علمية ويلبسونها ثوب العلم، وكأنها حقائق علمية!

كيفية التعامل مع الشبهة يختلف من إنسان لآخر، فمن كان بناؤه المعرفي قويا وصلبا، فالشبهة ــ وان كانت قوية ــ لكنها لا تؤثر فيه

ونجد هذا الامر كذلك في الجانب التاريخي؛ فأحد الاتهامات للدِين ان بلادنا متخلفة بسببه، وإذا ما تخلت عن الدين فستتحول الى بلاد متطورة وناهضة، ويسوقون أمثلة من اوروبا التي تخلت عن الدين وجاءت بالعلمانية، وهذه من المغالطات وانصاف الحقائق.

منهج التعامل مع الشبهة

في موضوع الشبهة نحن أمام أمرين:

ـ مصنع الشبهة

قال ــ تعالى ـ:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} هنالك اشخاص عملهم ورزقهم يكمن في صناعة الشبهات والاكاذيب، وهذا الشخص يُعرف من كلامه في أنه يريد ان يكون مخالفا، وحسب التعبير الدارج (يريد يطش) فمثلا ــ في الجانب الديني ــ يطرح هذا الشخص أمورا مغايرة ومخالفة، وليس هدفه إثراء الجانب العلمي والمعرفي، او إضافة و تصحيح معلومة، بل هدفه يكمن في أنه يريد أن يُعرف!

ـ طلّاب الشبهة

عادة يقال في السوق: إذا لم يكن هناك طلب لا يوجد عرض، فإذا لم يكن من يشتري فلا يوجد من يبيع، وكذلك الامر في مسألة الشبهة، فما دام هنالك من يريد الشبهة ويبحث عن التشكيك، فهناك ــ طبعا ــ من يروّج للشبهات.

لذلك ــ على الشباب بالذات ــ في المجال المعرفي الديني أن يتجنبوا البحث عن الكلام الغريب الذي يضم الإثارة والغرابة، بل يجب البحث عن الحق والمعرفة، لان هناك فئة تستهويها الكلمات التي تحتوي على الإثارة والخلاف، والتشكيك، فمن يكتب كتابا حول بناء الاهرامات مثلا، فالبأكيد لن يقرأ احد هذا الكتاب، لكن لو جعل عنوان الكتاب (كائنات فضائية مسؤولة عن بناء الاهرامات).

ويزداد هذا الامر خطورة حينما يكون في الجانب الديني الذي يقوم على اساسه البناء العقائدي، ومن الخطأ ما يقوم به بعض الشباب حين يتابعون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي عملها الاساس بثُّ الشبهات، لذلك المعرفة الدينية معرفة بنائية بعيدة عن الإثارة والجدل، والانسان يجب ان لا يكون طالبا لهذا النوع من الكلام.

 فليس مسموحا للمؤمن له ان يسمع أي شيء، قال النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “لا تجلسوا عن كل داعٍ مدعٍ يدعوكم من اليقين الى الشك ومن الاخلاص الرياء ومن التواضع الى الكِبر ومن النصحية الى العداوة ومن الزهد الى الرغبة، وتقرّبوا الى عالم يدعوكم الى التواضع من الكبر ومن الرياء الى الاخلاص ومن الشك الى اليقين ومن الرغبة الى الزهد ومن العداوة الى النصيحة”.

وهناك من طلّاب الشبهة من يبحثون عن التبريرات، لان الالتزام الديني في درجة من درجاته صعب، لان الانسان لابد ان يرتقي بنفسه فيصل الى رشد وكمال حتى يستطيع ان يقاوم نفسه الأمارة، ويقف أمام الشيطان، ويلتزم بالحلال والحرام.

يزداد هذا الامر خطورة حينما يكون في الجانب الديني الذي يقوم على اساسه البناء العقائدي، ومن الخطأ ما يقوم به بعض الشباب حين يتابعون صفحات على مواقع التواصل عملها الاساس بث الشبهات

وبعض الناس يضعف امام بعض المحرّمات وحتى يسكت نداء الضمير في اعماقه، يبحث عن تبرير، وبعض الانحراف ليس بالضرورة نقص في الدليل، بل هو يكمن السبب في النفس التي لا تريد ان تقبل الدليل، وإذا وجدنا شبهة من هذا القبيل بدأت تعجبنا يجب ان نبحث عن مكمن الضعف في النفس، وان لا ننساق تدريجيا خلف اي شبهة كانت.

وحتى لا تؤثر فينا الشبهات يجب اتباع عدة أمور:

ـ يجب ان لا نكون من طلّاب الكلام الذي يحتوي على الاثارة والغرابة، لان الشبهات عادة تنبع من ذلك الكلام.

ـ بناء المنظومة المعرفية والعقائدية بصورة متينة.

ـ البحث عن عالِم تثق بعلمه وصدقه.

ـ الابتعاد عن صنّاع الشبهات سواء في التواصل الاجتماعي وهو الغالب، او كانوا اشخاص بعينهم.

______

(مقبتس من محاضرة للسيد محسن المدرسي حفظه الله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا