ثقافة رسالية

نهج البلاغة والحياة (55) مَن يحسب العواقب يربح النتائج

قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “الظفر بالحزم والحزم باجالة الرأي والراي بتحصين الاسرار”.

فيما يرتبط بالصراع بين بني الانسان هناك قوانين تحكم الصراع، لا يمكن لانسان يحكمه قانون الهزيمة ان ينتصر، كما ان مَن يأخذ بقانون الانتصار لابد ان ينتصر.

إنّ الصراع بين طرفين شأنه شأن ما في هذه الحياة، فكما أن الزراعة لها قانون، والكيمياء لها قوانين، وكذلك هوالصراع بين طرفين سواء كانا دولين او شخصين او ما شابه ذلك.

الكلمة الذهبية لأمير المؤمنين، عليه السلام، التي صدرنا المقال بها، ترتبط بمسألة النصر والهزيمة، أي انه يدخل ضمن قانون الصراع، ويبيّن علة الانتصار وسببه، وكذلك يبين لماذا ينهزم الانسان في الصراع.

“الظفر بالحزم” لا يظفر الانسان إلا إذا كان حازما، فمنبع الظفر الحزم، ومنبع الحزم اجالة الرأي، ومنبع الرأي تحصين الاسرار.

الحزم هنا في مقابل التسرع، وبكلمة أدق، الحزم في مقابل ان لا يفكر الانسان في العواقب، وان لا يتحرك استراتيجيا بل يبقى يتكلف التكتيك، وهنالك انسان تحركه استراتيجيا، اي تحرك يتجاوز الواقع الموجود هذا النوع سيمتلك الواقع، والمستقبل، وامتلاك العاقبة والنهاية هو الظفر.

الظفر لا يعني ان لا يدخل الانسان صراعا، ولا ان لا يُهزم، لكنه يعني ان تمتلك النهاية (العاقبة)، حتى لو حدثتْ هزيمة لاكثرمن مرة، ففي بعض المعارك قد يُهزم الانسان، ولكنه ينتصر في جولة ما.

في مقابل الحزم يكون التسرع في الامور وعدم الاهتمام بالعواقب والنهايات، بعبارة أخرى ينتصر من يدخل المعركة برؤية استراتيجية، أما من يدخل الصراع برؤية تكتيكية بحتة فيومياته هي من تحكمه لا استراتيجياته وهذا لن ينتصر، ويقال في علم الحروب: ان المعارك الاستراتيجية هي المعارك الحاسمة في التاريخ، اما المعارك التكتيكية تكون ضمن الصراعات اليومية كالتي تحدث بين الحيوانات، وقد تكون هناك معارك استراتيجية والانسان فيها لا يحسب حساب الضربة الفعلية، وإنما يكون التركيز على الضربة النهائية.

الحزم هو حساب النهايات، لكن البعض يخلط بين الحزم والعزم، ويظنون ان الحزم بمعنى القاطعية والعزم، الحزم يكون في مجال التخطيط والتفكير قبل التنفيذ، أما العزم فهو في مجال التنفيذ، فأن يكون الانسان حازما، لا يعني ان يكون حاسما، والحزم لا يكون بإعطاء رأي ضعيف بعيدا عن النضج، بل رأي يأخذ بعين الاعتبار كل الابعاد.

فمن يظفر هو من يمتلك الرأي الأصوب، فإذا اخذنا بعين الاعتبار “لا يصح إلا الصحيح” سواء فيما يرتبط بعلم الاجتماع، او الاقتصاد، اوالسياسية..، الصحيح هو الذي يبقى، ومن يعرف هذه المعادلة هو الذي يظفر، ومعرفة الصحيح بإجالة الرأي، فالظفر هو الانتصار الاستراتيجي ومعنى ذلك ان يعرف الانسان المستقبل الذي يحسم الجولة الأخيرة من الصراع، حتى لو كانت الجولات السابقة محفوفة بالهزيمة، والمثال الرياضي على ذلك هي رياضة الملاكمة، فليس مهما الضربات الأولى، بل المهم هو الضربة الأخيرة المؤهلة للفوز.

في مقابل الحزم يكون التسرع في الامور وعدم الاهتمام بالعواقب والنهايات، بعبارة أخرى ينتصر من يدخل المعركة برؤية استراتيجية، أما من يدخل الصراع برؤية تكتيكية بحتة فيومياته هي من تحكمه لا استراتيجياته وهذا لن ينتصر

 هذه الكلمة “الظفر بالحزم” ضمن الكلمات العظيمة جدا التي أولاها الاسلام أهميةً خاصة، والتي تعد من الصفات الانسانية التي يرتبط بها الظفر والانتصار او الهزيمة، لان هناك كلمات في الاسلام تركز على حالة العبادة مثلا، وهنالك كلمات ترتبط بمستقبل الانسان.

“والحزم بإجالة الرأي” وهو ما يقابله التسرّع لان الحزم يقابله التهوّر، “وتحصين الاسرار” يقابله افشاء الاسرار، تصور إنسانا يتهور ويتسرع ويفشي أسراره! فكيف ينتصر؟

قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “أحزم الناس من تُوهم العزم لفرط استظاهره” وهذا هو الانسان الذي لا يكذب الى درجة ان يتهمه الناس انه عاجز، لانه يريد ان يستظهره، اي يريد ان يعرف النهاية والعاقبة.

وقال عليه السلام: “الحزم النظر في العواقب ومشاورة ذوي العقول” ذلك ان لكل امر نتيجة، ولكل فعل رد فعل، لكل حركة من الانسان نتيجة، سواء كان ذلك في الصراع ام لا، بعض الناس يتحرك ويحرك قواه ولا يحسب النقلة التالية، او لا يحسب ان لفعله نتيجة، فتحريك اليد ــ مثلا ــ للإشارة له أثر، فقد يحسب الانسان حساب الآثار وهو على يقين من أمره، وعلى هدى وبصيرة وهنا يكون الانتصار، أما من يقدم بدون هدى وبصيرة، ولا يحسب أن لحركته نتيجة وهذا بسهولة يدخل في الصراع لكنه يخرج منه بهزيمة.

و أن يقول الانسان كلمةً فهذا سهل، لكن ما النتيجة؟ لانه عادة يكون الفرد أسيرَ كلمته إن كانت خير فخير وان كانت شرا فشر.

لذا يجب ان يحسب الانسان حساب  لحظة لذة ما يترتب عليها، وكم من لحظة راحة ضيّعت فرصة، وذلك عدم حساب العاقبة، ونتيجة الاقدام الخاطئ، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “ضادوا التفريط بالحزم” فمن يمتلك اليوم اموالا يصرفها دون تدبر في العواقب، ثم بعد ايام يستجدي الآخرين، فهذا يعد تفريطا، وهناك تفريط في العبادة، فتجد احدهم يصلي الليل بطوله، ويصوم النهار، ويتعبد كثيرا حتى ينهار ولا يواصل طريقه في الحياة، وهذا هو التفريط الذي يكون مضاده الحيوي الحزم.

فمن يظفر هو من يمتلك الرأي الأصوب، فإذا اخذنا بعين الاعتبار “لا يصح إلا الصحيح” سواء فيما يرتبط بعلم الاجتماع، او الاقتصاد، اوالسياسية..، الصحيح هو الذي يبقى، ومن يعرف هذه المعادلة هو الذي يظفر

وقال أمير المؤمنين، عليه السلام: “إن من الحزم الوقوف عند الشبهة” فأمر لا يعرفه الانسان عليه التوقف، سواء كانت الشبهة كلمة ينطقها او موقفا يتخذه، لذلك قال عليه السلام: “المؤمن لا يسيء ويعتذر والاحمق يسيء ويعتذر” و”لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين”.

كيف نحصل على الحزم

الحزم من الصفات الاكتسابية، فاول شيء يجب ان يتعلمه الانسان ان لا يقول الجواب على كل سؤال فورا، وكذا يجب ان يتعلّم الفرد إذا اعطى رأيا ان يفكر في الجوانب المختلفة، وفي عواقب الامور، قال أمير المؤمنين عليه السلام: “الحزم صناعة” اي ما يصنعه الانسان، والحزم كبقية الصفات الانسانية تنمو بالتجربة وبمرور الزمن، لان الانسان لم يولد حازما وعازما وقوي الشخصية، ومخطئ من ينتظر ان يتملك تلك الصفات بنزولها من السماء، فقوة الشخصية يصنعها الانسان بنفسه، وكذا الحزم والعزم وبقية الصفات الأخرى، والآخرون إنما وصلوا لتلك الصفات لانهم سعوا لايجادها في انفسهم، فاكتشفوا امكانياتهم واستغلوها في بناء الشخصية.

وأن يفكر الانسان في الامور لا يعني ان يكون جبانا الى درجة إنه لا يقدم على امر حتى يعرف النتيجة مئة بالمئة، هذا جبن، والجبن خسارة، فلابد ان يكون هنالك شيء من المغامرة.

مواطن الحزم

يكون الحزم في العطاء والعقاب والإقدام، “الحازم من جاد بما في يده ولا يؤخرعملَ يومه الى غده”، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام، لان هنالك من يفكر ان البخل يربّح، وهذا تصور خاطئ، لان من يعطي دينارا يربح قلبا، او شخصا.

والحزم في العقاب، قال النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “احزم الناس اكظمهم للغيض” يجب ان لا يتصرف الانسان تصرفا غريزيا، بل يجب ان تكون تصرفاته عقلائية، وقال أمير المؤمنين: “الحازم من يؤخرالعقوبة في سلطان الغضب.

والحزم في الاقدام “ويعجل مكافأة الاحسان اغتناما لفرصة الامكان” ففي الخير عند المؤمن تسرّع، وعمل الخير لا يحتاج الى تذكير.

منبع الظفر والانتصار هو الحزم، فالذي يربح المستقبل يربح الحاضر، ومن يمتلك الاستراتيجية يمتلك التكتيك، والذي يحسب حساب العواقب يربح النتائج.

والحصول على الحزم يكون بإجالة الرأي؛ أي يقلّب جميع الجوانب في الأمر الذي يريد الاقدام عليه، السلبي منه والايجابي، فالانسان لا يحصل على الرأي الحازم إلا إذا كان رأيه جوالا، يجول في الابعاد المختلفة في القضية، فمثلا للحصول على رأي صائب في قضية ما، لابد من حساب الجوانب الايجابية والسلبية، ثم يتم المقارنة بينهما، وإذا كانت الايجابية أكثر فهنا ينبغي الاقدام.

____

(مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرّسي حفظه الله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا