مع تطورات الزمن يحتاج الناس الى مزيد من الوعي والثقافة لمعرفة الصح من الخطأ في الجانب المادي من حياتهم، وايضاً؛ الحق من الباطل في الجانب المعنوي، ومعروفٌ لدينا أنه بالقدر الذي ينشط فيه الجناحان بشكل متوازن تكون الحياة متوازنة ايضاً وبإمكان الانسان العيش بشكل آمن وصحيح في حاضره ومستقبله.
هذه الحاجة يوفرها من شريحة تحمل الوعي والثقافة، متمثلة بالعلماء والخطباء والكتاب ممن نلاحظهم يتحركون في كل زمان ومكان لأداء مسؤوليتهم الرسالية بالكلمة المسموعة والمقروءة دون ان يتوقعوا أجراً مادياً على جهدهم، كأن تكون شهرة إعلامية، او وجاهة اجتماعية، او زلفى عند رجال الحكم، وأحياناً ما نلاحظ العكس تماماً ومجافاة مع مشاكسات إعلامية، وتجاهل سياسي، إلا في حالة واحدة فقط! عندما تكون الكلمة مثل سيل هادر يهدد وجوه إعلامية بالتهميش، ومصالح سياسية بالتشكيك في شرعيتها، فلا مفرّ لهم إلا بتوجيه هذا السؤال باللهجة العراقية: هذا منو؟!
وهذا الحديث لا يتحدد في شخص السيد مرتضى المدرسي، نجل المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي، وانتقاده الشديد لمعارضي تعديل قانون الأحوال الشخصية، فقد قيل لمن سبقه من العلماء والمصلحين منذ حوالي خمسين عندما تحدثوا بما لم يتحدث به أحد في الساحة الإسلامية، فقالوا: هذا منو؟! وربما يعتقدون أن عليه الحصول على ترخيص للإدلاء برأي او فكرة معينة.
ولسنا بوارد الخوض في الضجة المفتعلة ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية، فقد عرف الناس تفاصيل الموضوع، وفهموا دواعي التعديل المتطابقة مع العقل والفطرة البشرية، فضلاً عما يوصي به الدين وشريعة السماء، والناس قد ملّوا التسقيط والتراشق بالكلام المستفز والمغالطات، والتعكّز على الفضائح والفشل، إنما يريدون اليوم حلولاً عملية وجذرية تنقذهم من أزمات خانقة، وليس حلولاً ترقيعية، فأزمة الشباب النفسية والأخلاقية والدينية –مثلاً لا حصراً- ليس سببها السياسة ولا الاقتصاد، ولا حتى المال، فمعظمهم يشترون ما يرغبون ويعيشون عيشة راضية، إنما جذر المشكلة؛ الأسرة والحياة الزوجية غير المنظمة وفق أحكام وقواعد رصينة، فحتى المرأة التي احتفظت بالإبن والبنت بعد الطلاق ولسنوات عديدة، وكبر الأولاد عندها بعيدين عن الأب، فهي لا يمكن ان تخفي مساوئ هذا الابتعاد، وتدّعي أن حياتهم طبيعية، او ان تتجاهل مشاعر ابنتها أمام زوجها الثاني، وأمام أبنائه من زوجته الأخرى.
بعد كل هذا، علينا التوجه الى من يعترض على المدافع عن حقوق المرأة والطفل ويقول: أنت منو؟ أن نسأله نحن ايضاً: أنت منو؟! وما هو دورك امام أبناء مجتمعك في محنته وأزماته؟ وكما نوّهت؛ الحديث للجميع والذكرى تنفع المؤمنين، وظاهرة التسقيط والتصغير قديمة، وتستمر مع كل صوت حقٍ يعلو في الساحة، ومن المفترض اجتماع كلمة المؤمنين، ومن يدّعون الوعي والثقافة والحرص على مصلحة الشعب العراقي، على كل موقف وكلمة تحافظ على هذه المصلحة، ونقف بوجه كل من يهدد كيان الأسرة، وثقافة المجتمع بما هو دخيل ومستورد.