يقول البوصيري:
لم تزل في ضمائر الكون
تختارك الأمهات و الآباء
تتباهى بك العصور وتسمو
بك علياء بعدها عليا
وبدأ للوجود منك كريم
من كریم آباؤه كرماء
نسب تحسب العلا بجلاها
قلدتها نجومها الجوزاء
حبذا عقد سؤدد وفخار
أنت منه اليتيمة العصماء
النبي، صلى الله عليه وآله، ولد في مكة المكرمة في ١٧ ربيع الاول عام الفيل من بيت طاهر ولم يتطرق إلى نسبه شيء من العقود التي كانت سائدة في الجاهلية.
علماً أن الإسلام لم يقدح بالعقود التي كانت في الجاهلية على قاعدة مولودين من زواج ليس على الصيغة الإسلامية، بل على صيغة الجاهلية التي كانت على طريقة أن يوجه الإنسان باب خباء إلى باب خباء أو باتباع صيغ أخرى بحيث أنها لو صدرت الآن فإنا لا نقرها، ولكن في بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، فإنه قد عرف عنه أنه انتقل من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة كما ورد في مصباح المتهجد: “أشهد أنكم كنتم نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسكم الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسكم من مدلهمات ثيابها “.
من يتصفح التاريخ سوف يجد صناعَ حياةٍ، ورجالَ ثورات تأبى ان تعيش الذل، إن الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبي الأكرم محمد، صلى الله عليه وآله، هو الذي صنع المعجزة، وأخذ بأيدي قومه في مهيع السداد، وجدد حياتهم الاجتماعية
عاش النبي، صلى الله عليه وآله، في كنف ذاك البيت الذي بعد أن فَقَدَ أبويه؛ فقد توفي أبوه وهو في بطن أمه، وتوفيت أمه وعمره ستة أشهر وشاء الله ــ تعالى ــ بعد أن فَقَدَ النبي عطف الأبوين أن يستبدله هذا الفقدان للعطف بعوض آخر قد يكون أكبر وأوسع وذلك في حجر جده عبد المطلب ومن ثم في بيت عمه ابي طالب، عليه السلام، وأيضاً في حجر امرأة طاهرة رائدة في دنيا الإسلام هي فاطمة بنت أسد ام الإمام أمير المؤمنين علي، عليه السلام، التي كفلته وحمته .
ومما يروى عن هذه المرأة الفاضلة الكبيرة أن أولادها يصبحون وقد يكون أحدهم مترباً في حين أنه ليصبح وقد دهن شعره ورجل وغسل وألبس ثياباً جداداً وكانت تحرم أولادها من الطعام وتقدمه له ولذلك كان النبي، صلى الله عليه وآله، يقول عنها : “أمي”.
وهذا يدل على أن السماء أرادت أن تصوغه في منتهى الكمال قال حسان بن ثابت :
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءاً من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء (المستطرف في كل فن مستظرف)
قال تولستوي: يكفي النبي محمدا، صلى الله عليه وآله، فخرا أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح في وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأن شريعة الإسلام ستسود العالم الانسجامها مع العقل والحكمة.
لم يكن أحد يتصور أن هذا الوليد المبارك سوف يغير العالم كله، ثم يلهم الآتين من بعده كيف يحيون وكيف ينتصرون وكيف يخلدون، فاذا بهذا الرجل قد صنع تاريخا جديدا لأمته، استطاع بسلاح ايمانه تحطيم الأصنام الحجرية والبشرية على حد سواء، ويشيد من قلب الصحراء أمة وسطا تحمل لواء الحضارة، ومشعلَ الحرية لتنير دروب المتعبين والمستضعفين، وتأخذ بأيديهم نحو العزة والكرامة والحياة الحرة الكريمة الى حيث الانطلاق في آفاق الحياة اللائقة بالإنسان الذي كرمته السماء، وجعلته خليفة الله على أرضه وسيفا في هذا الكون، يرفض الذل والهوان والظلم والاستبداد.
وقد تكلّلت جهود رسول الإنسانية بإنشاء دولة الإسلام في المدينة المنورة كنقطة انطلاق لتأسيس الدولة العالمية المرتكزة على مبدأ التوحيد ونشر العدالة بين أفراد المجتمع، عبر ربط الحياة في دار الدنيا بالآخرة على نحو يضمن السعادة الأبدية في الدارين.
إن المعاني الجميلة المرسومة في وجه النبي الاكرم محمد، صلى الله عليه وآله، كان لها الأثر الكبير في نفوس الناس
و من يتصفح التاريخ سوف يجد صناعَ حياةٍ، ورجالَ ثورات تأبى ان تعيش الذل، إن الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبي الأكرم محمد، صلى الله عليه وآله، هو الذي صنع المعجزة، وأخذ بأيدي قومه في مهيع السداد، وجدد حياتهم الاجتماعية، وسعى الى الاصلاح.
و هذه هي تعاليم صاحب الشريعة الاسلامية وهي عبارة عن حِكم عالية، ومواعظ سامية تقود الإنسان الى سواء السبيل، ولا تقل في شيء عن تعاليم الديانات الأخر، وتلك هي أوامر الشريعة المفروضة من قبل الله ــ عز وجل ــ وهي من أقوم الشرائع وأحسنها بلغ بها النبي محمد، صلى الله عليه وآله، لنعمل بموجبها، غير أن فسادا طرأ على أفكار العاملين بها، فغيروا فيها وحرّفوا الكَلِم عن مواضعه طبقا لأهوائهم وأغراضهم الخاصة.
الرجل العظيم محمد، صلى الله عليه وآله، جمع في شخصه مزايا كثيرة وعلوما كبيرة ومواقف جريئة، فما قام ينذر حتى خاصمه القرشيون أهل قبيلته، بل أقرب الناس إليه وقاوموه أشد المقاومة، فلم يرَ بُداً من أن يهاجر الى يثرب التي عرفت فيما بعد بالمدينة المنورة، وهنا ابتدأ تاريخ المسلمين الهجري موافقا لـ ١٦ تموز عام ٦٢٢م، وبعد الدخول الى يثرب وجد بلدا طيبا لبذر بذور الدعوة المحمدية فاتخذ له انصارا مخلصين اشتد بهم ازره فأعلن الحرب على المكيين، ثم دخل مكة وطنه ظافرا وكسر فيها الأصنام ونشر الحكمة والكتاب وجمع شملهم بأصرة الوحدة الاسلامية العربية ثم توفي بعد أن أدى واجبه وقام بمهمته أحسن قيام وذلك عام ٦٣٢م فإلى روح وريحان وجنة ورضوان.
وكانت السيدة الزهراء، عليها السلام تندب أباها رسول الله، صلى الله عليه وآله، ولا تكف عن شجوها فرقا لفقده حتى كانت أول الحوق به، وانطوت الزهراء، عليها السلام، على جراحها وألمها ولوعتها، وتتطلب بواعث الأسى ودواعي الشجا فلاذت بالحسرة واستولت عليها الأحزان فكانت تأتي إلى قبر النبي، فتجلس وتأخذ قبضات من ترابه وهي تقول :
ماذا على من شم تربة أحمد
ألا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو انها
صبت على الأيام صرن لياليا
وكان، صلى الله عليه وآله، قد أشبعها عطفاً وحناناً وأغدق عليها من رأفته ومن شفقته لكنها بعد وفاته تكاثفت عليها الهموم، فكانت الآلام والأحزان تغمر قلبها فتلجأ إلى قبر أبيها وتستجير به ضارعة إليه بالدموع وكانت تردد
هذين البيتين :
قل للمغيب بين أطباق الثرى
لو كنت تسمع صرختي وبكائيا
صبت علي مصائب لو أنها
صُبَّت على الأيام صرن لياليا
طريق الوصول إلى الهدف
إن المعاني الجميلة المرسومة في وجه النبي الاكرم محمد، صلى الله عليه وآله، كان لها الأثر الكبير في نفوس الناس، فكان عندما يتحدث مع الناس ينجذبون إليه ويذعنون إليه، ولا فرق في ذلك كون المستمع واحداً أو أكثر، ولقد كان مؤدباً وملتزماً ومتواضعاً لا يفرق في المعاملة فالغني والفقير عنده سواء، وكان قوي الذاكرة ذكياً صريحاً، ولديه ثقة بنفسه، ولا يتردد في الإقدام على عمل ما، وهذه الأخلاق السامية غطت أفكاره أنحاء العالم. (المستشرق إدوارد كيب بن)
لن تحصل الأمة على الظفر والنصر ولن يصل الفرد إلى أهدافه التي وضعها دون تحمل التعب والمشقة والاستقامة
فإذا أرادت الأمة بشرائحها الخير لابد أن تضع نصب عينيها الأهداف وتسعى إلى تحقيقها، وتصمد صابرة على الأذى، وتحمل الإنسان المشقة والعذاب للوصول إلى الغاية سنة تأريخية وكونية، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشُرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدْعُون}. (سورة فصلت)
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}. (سورة البقرة: ٢٥٧)، فإذا رافقك التوفيق الإلهي والذي لن يتأتى إلا مع الصمود والاستقامة والثبات على المبدأ – وهذه معادلة – يمكن أن تصل إلى أهدافك على المستوى الشخصي ويمكن للأمة أن تصل إلى أهدافها، ولن تحصل الأمة على الظفر والنصر ولن يصل الفرد إلى أهدافه التي وضعها دون تحمل التعب والمشقة والاستقامة على المبدأ قال الإمام علي، عليه السلام: “من طلب شيئاً ناله أو نال بعضه”، فالذي يريد أن يُحقق شيئاً ويُوجه طاقاته ويصمد في سبيل الوصول له لابد أن يصل أو يدرك أكثر ما أراد أن يحصل عليه.
ونحن في هذا العصر الذي أصبح فيه تلاقح الأفكار هل صمدنا بالمحافظة على الإستقامة والصمود بوجة الأعداء مثل ما فعل قدوتنا النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، حتى حقق هدفه بنشر الدين الحق.