قال السيد الحميري يصف السيدة فاطمة بنت أسد، في ولادة الإمام علي في الكعبة:
وَلَدَتْهُ فِي حَرَمِ الإِلَهِ وَأَمْنِهِ
وَالْبَيْتِ حَيْثُ فِنَاؤُهُ وَالْمَسْجِدُ
بيضاءُ طَاهِرَةُ الثَّيابِ كَرِيمَةٌ
طابَتْ وَطابَ وَلِيدُها وَالْمَوْلِد
نسبها الشريف
أما النسب الوضاح لهذه السيدة فهي بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف تلتقي مع النبي، صلى الله عليه وآله، في نسبه القريب، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي هاشميا حسبما قاله الزبير. (الاستيعاب – القسم الرابع : ۱۸۹۱).
سبقها الله للإسلام
كانت هذه السيدة العظيمة من السابقات للإسلام، وبذلك فقد نالت الشرف
العظيم، فقد أسلمت بعد عشرة أشخاص . (موسوعة أهل البيت: ج٣، ص: ٣٦).
مبايعتها للنبي
وهي أول سيدة بادرت إلى مبايعة النبي حينما أخذ النبي على المسلمات أن يلتزمن با لعفة والطهارة واجتناب المنكر.
روايتها عليها السلام للحديث
عدها علماء الحديث من رواة أحاديث النبي، صلى الله عليه وآله، فقد رووا ستة وأبعين حديثاً، وأخرج لها في صحيح البخاري وصحيح مسلم حديثاً متفقاً عليه أربعة. (أعلام النساء لابن طيفور ج ٣، ص:١١٣).
أما زوجها فهو أبو طالب شيخ البطحاء ومؤمن قريش، حامي النبي محمد، صلى الله عليه وآله، والمدافع الأول عن الإسلام، وكانت من المهاجرات للمدينة المنورة واستقرت في بيت ابنها الإمام علي، عليه السلام.
في بيت ولدها أمير المؤمنين
وعندما تزوج الإمام، عليه السلام، ببضعة رسول الله، صلى الله عليه وآله، وسيدة نساء العالمين انتقلت السيدة فاطمة بنت أسد إلى دار ولدها، وكان أثاث البيت فيه أواني الخزف، وجرة من الماء، وقربة يستقى بها الماء، وغير ذلك من الأمور البسيطة، وقد وزع الإمام الله شؤون البيت على والدته وعلى سيدة نساء العالمين، فالشؤون الداخية من تهيئة الطعام عليها وعلى والدته، وشؤونه الخارجية من جلب الماء وغيره مما يحتاج إليه المنزل على عاتقه. (موسوعة أهل البيت (علي بن ابي طالب ع) ج٣، ص: ٣٧).
وقضت هذه الفترة القصيرة من حياتها في بيت ولدها سيد أولياء الله والعزيز على قلبها الإمام علي الذي نذرته للإسلام ونصرة خاتم الرسل و الانبياء.
الإمام الصادق يصف جدته
وعن الإمام الصادق، عليه السلام قال: “إِنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ أُمَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عليه السلام، كَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى قَدَمَيْها، وَكَانَتْ مِنْ أَبَرُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ، فَسَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ وَ هُوَ يَقُولُ :إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً كَمَا وُلِدُوا .
فَقَالَتْ : وَا سَوْأَتاهُ .
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَكِ كَاسِيَةٌ .
وَسَمِعَتْهُ يَذْكُرُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ: وَا ضَعْفَاهُ .
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيكِ ذَلِكِ .
وَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ يَوْماً: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَ جَارِيَتِي هَذِهِ.
فَقَالَ لَهَا: إِنْ فَعَلْتِ، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْرٍ مِنْهَا عُضُوا مِنْكِ مِنَ النَّارِ ؛ فَلَمَّا مَرِضَتْ، أَوْصَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ، وَ أَمَرَتْ أَنْ يُعْتِقَ خَادِمَها، وَ اعْتُقِلَ لِسانُها، فَجَعَلَتْ تُومِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ إِيمَاءً، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ وَصِيَّتها فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ قاعِدٌ إِذْ أَتَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ هُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : ما يُبْكِيكَ؟
فَقَالَ: مَانَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أُمِّي وَ اللَّهِ، وَقَامَ مُسْرِعاً حَتَّى دَخَلَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا و بكى، ثُمَّ أَمَرَ النِّسَاءَ أَنْ يَغْسِلْنَهَا، وَقَالَ: إِذَا فَرَغْتُنَّ فَلَا تُحْدِلْنَ شَيْئًا حَتَّى تُعْلِمْنَنِي، فَلَمَّا فَرَغْنَ أَعْلَمْنَهُ بِذَلِكَ، فَأَعْطَاهُنَّ أَحَدَ قَمِيصَيْهِ، الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ، وَ أَمَرَهُنَّ أَنْ يُكَفِّنَّهَا فِيهِ.
وَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: إِذَا رَأَيْتُمُونِي قَدْ فَعَلْتُ شَيْئًا لَمْ أَفْعَلْهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَسَلُونِي لِمَ فَعَلْتُهُ ؟
فَلَمَّا فَرَغْنَ مِنْ غُسْلِها وَكَفَتِها، دَخَلَ، فَحَمَلَ جَنازَتَهَا عَلَى عَاتِقِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ جَنازَتِهَا حَتَّى أَوْرَدَها قَبْرَها، ثُمَّ وَضَعَهَا، وَ دَخَلَ الْقَبْرَ، فاضْطَجَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَهَا عَلَى يَدَيْهِ حَتَّىٰ وَضَعَهَا فِي الْقَبْرِ، ثُمَّ انْكَبَّ عَلَيْهَا طَوِيلًا يُنَاجِيهَا، وَ يَقُولُ لَها : ابْنُكَ، ابْتُكِ، ابْنُكِ، ثُمَّ خَرَجَ، وَ سَوَى عَلَيْهَا، ثُمَّ انْكَبَّ عَلَى قَبْرِها، فَسَمِعُوهُ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ .
فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ: إِنَّا رَأَيْنَاكَ فَعَلْتَ أَشْيَاءَ لَمْ تَفْعَلْهَا قَبْلَ الْيَوْمِ ؟
فَقَالَ : الْيَوْمَ فَقَدْتُ بِرَّ أَبِي طَالِبٍ، إِنْ كَانَتْ لَيَكُونُ عِنْدَهَا الشَّيْءُ فَتُؤْثِرُنِي بِهِ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، وَإِنِّي ذَكَرْتُ الْقِيامَةَ، وَ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ عُرَاةً، فَقَالَتْ: وَا سَوْأَنَاهُ، فَضَمِنْتُ لَها أَنْ يَبْعَثَهَا اللَّهُ كَاسِيَةٌ، وَ ذَكَرْتُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ : وَا ضَعْفَاهُ، فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَكْفِيَهَا اللَّهُ ذَلِكَ، فَكَفَّتْتُها بِقَمِيصِي، وَاضْطَجَعْتُ فِي قَبْرِهَا لِذَلِكَ، وَ انْكَبَيْتُ عَلَيْها”. (خصائص الأئمة: ٦٤) (الوافي، ج۳، ص:٧٢٥، الحديث ۱۳۳۸)
ورحم الله هذه الفاضلة الزكية التي ساهمت في بناء الإسلام، وبرت أكثر ما يكون البر بالنبي، صلى الله عليه وآله، وأجزل لها تعالى المزيد من الأجر، وحشرها مع النساء الخالدات في الجنة.
فهي بحق مثال واضح وقدوة حسنة لكل ام صالحة تريد تربية أبناءها تربية مستقيمة قائمة على المثل والقيم الحقة، والمدافعة عن عقيدتها الاسلام ونبيه الكريم وقرآنه المجيد وأهل بيته الطيبين الاطهار.