ها قد شارفت زيارة الأربعين المباركة على الانتهاء، وها أنها زرعت أحداثها في قلوبنا، وغرست دروسها في عقولنا لتورق خيرات لا تحصى ولا تُعد، نعم نحن نقف الآن في لحظة الذروة، لنعيش عصارة تجارب هذه الزيارة العظيمة وما تمخض عنها من مواقف كبيرة، فنودع زيارة الأربعين بقلوبنا ونبضنا وأنفاسنا ودعائنا، بأن تعود لنا في السنة القادمة، لنحيي أيامها ومراسيمها مجددا، ونستعز بأحداثها الزاخرة، ودروسها العابقة بالخيرات والمثل العليا.
دأبنا خلال أيام الزيارة أن نستثمر أجواءها ومراسيمها، لنكتب عن مراسيمها ومواقف زوارها الكرام، فمن ضمن سلسلة الاستثمارات القيّمة للزيارة الأربعينية، هو الاستثمار الأخلاقي الذي خصصنا له هذه الكلمة، بعد أن قدمنا بشيء من التركيز لأنواع من الاستثمارات تعلقت بالجوانب الاقتصادية والتربوية والاجتماعية، وها أننا نسعى لمناقشة وتوضيح أهم ما يمكن أن نستثمره خلال هذه الزيارة ألا وهو الجانب الأخلاقي.
زيارة الأربعين تصنع الأجواء التي تشجع على اعتماد الأخلاق السلوكي القويم، تطالب الجميع بأن يتخذوا من الحسين عليه السلام مثالا أخلاقيا راسخا
هناك الكثير من السلوكيات والمواقف التي رافقت زيارة الأربعين منذ أن بدأت تلوح مجاميع الزوار الكرام وهم يتقاطرون على مدينة كربلاء المقدسة، وقد رافقت هذا التدفق المستمر للزوار على مدار ساعات النهار، واستمرت طيلة أيام محرم وصفر، حالات نادرة من السلوكيات والتعاملات التي تنم عن بلورة منظومة أخلاقية متجددة وضخمة تصب في إطار السلوكيات والتصرفات والمواقف الأخلاقية العظيمة للزوار الكرام من جهة ولمستقبليهم في المواكب الحسينية من جهة ثانية، بالإضافة إلى الحسينيات وبيوت الأهالي.
لقد أظهر الزوار الكرام تمسكا كبيرا بالجانب الأخلاقي في تعاملاتهم، وهم يرددون بأننا نتخلَّق بالأخلاق الحسينية، ذات الطابع الإنساني الراسخ، فالحسين علمنا أن نحترم الناس، وأن نتعامل معهم بما يحفظ كرامتهم، وأن نقف إلى جانبهم في كل ما يرضي الله تعالى، فلا نتعالى على أحد، ولا نرفع صوتنا على أحد، ولا نتنمر على أحد، بل نتعامل بالحسنى مع الجميع، ونسعى بكل ما نمتلك من طاقة أخلاقية أن نحافظ على التصرف الجيد مع الآخرين سواء كانوا زوارا أو من الأهالي المضيّفين أو غيرهم.
هذه السلوكيات تكاد تكون نموذجية، وما يجعلها ذات فائدة أخلاقية عالية أنها محط مشاهدة المراهقين والصغار والشباب، فهؤلاء الفتية والأطفال يحتكون مع الزوار الكرام ومع الحشود التي تكون في ضيافتهم، ويلاحظ هؤلاء الشباب والصغار تلك السلوكيات المؤطرة بالأخلاق العالية، سواء من حيث التعامل الفعلي، أو تلك الكلمات اللطيفة الطيبة، عملا بالحديث الشريف “الكلمة الطيبة صدقة”، وهذا باب أخلاقي رسخه النبي صلى الله عليه وآله في البوادر الأولفى لانبثاق ونشر الرسالة النبوي بين مجتمع الجزيرة.
لذلك تكون زيارة الأربعين المباركة، مناسبة كبيرة ومهمة لتحريك النشاط الأخلاقي وتجديده ونشره على نحو شامل بين جميع الحشود التي تحتشد في الشوارع والساحات والمراقد والمواكب والحسينيات والحدائق وفي كل مكان، فتقوم هذه الحشود بتأدية مراسيم الزيارة، وفي نفس الوقت تسعى لنشر السلوك الأخلاقي بين الجميع، حيث الكلمة الطيبة والتعامل اللطيف، وزرع روح التسامح والتعاون بين الجميع.
الزيارة الأربعينية المباركة، دافعا قويا لنشر وتنمية الجانب الأخلاقي، وصولا إلى خلق منظومة أخلاقية تتخلق بأخلاق الحسين وأهل البيت، عليهم السلام، فالتواضع سمتهم الأعظم والأكثر وضوحا بين الناس، والإيثار ديدنهم، وتفضيل مصالح الناس وتقديمها على مصالحهم
فزيارة الأربعين تصنع الأجواء التي تشجع على اعتماد الأخلاق السلوكي القويم، تطالب الجميع بأن يتخذوا من الحسين عليه السلام مثالا أخلاقيا راسخا، ومن ثم نشر هذه السلوكيات بين الصغار صعودا للمراهقين ومن ثم للشباب صعودا إلى عامة الناس، فتتكون منظومة متكاملة جوهر الأخلاقي الكريم مستمَد من الفكر الحسيني ومن نهضة الإمام الحسين عليه السلام.
هكذا تكون خلاصة هذه الزيارة الأربعينية المباركة، دافعا قويا لنشر وتنمية الجانب الأخلاقي، وصولا إلى خلق منظومة أخلاقية تتخلق بأخلاق الحسين وأهل البيت، عليهم السلام، فالتواضع سمتهم الأعظم والأكثر وضوحا بين الناس، والإيثار ديدنهم، وتفضيل مصالح الناس وتقديمها على مصالحهم، وتقديم الدروس الأخلاقية العالية لهم ليس بالأقوال وحدها، إنما هناك أمثلة عملية تمر عبر السلوك والتعامل مع الآخرين. لنصل في خلاصة الأمر إلى إلى استثمار أخلاقي ملهم من زيارة الأربعين، ومن زوارها الكرام ومستقبليهم، هذان الطرفان الزائر والمضيّف يجعلان من هذه الزيارة فرصة لتقوية التعامل الأخلاقي فيما بين الطرفين، ومن ثم تقديم الدروس والتجارب الأخلاقية العملية التطبيقية لجمع المراهقين والشباب وعامة الناس، والمهم في هذا الجانب، هو الاستفادة الأخلاقية القصوى من زيارة الأربعين المباركة لكي تقدم الدروس الفعلية لبناء الأخلاق والتعامل السلوكي العادل بين الجميع.