عن الصدوق في عيون أخبار الرضا والأمالي بسنده عن الريان بن شبيب -خال المعتصم – قال: “دخلت في أول يوم من المحرم على الرضا، فقال لي: يا بن شبیب، إن سرك أن تلقى الله(عزوجل) ولا ذنب لك فزر الحسين”. (الشيخ الصدوق/عيون اخبار الرضا، ج١ ص: ٢٦٨-٢٩٦).
بين كل تلك التجاذبات والانحرافات والممارسات الظالمة التي مورست لعقود من الزمن، وبيّن جميع تلك المآسي والآهات التي تمر بها أمة الإسلام، نجد أن الإمام الحسين، عليه السلام، وهو الرجل الإلهي الذي اختارته السماء لقيادة الأمة، تخليصاً لها من ظلمات الشر والبطلان، وإيصالها إلى بر الأمان، قد شخّص المرض الذي أخذ ينخر في جسد الأمة، ووضع له العلاج الناجع، الذي تمثل بصرخة مدوية في أرجاء العالم الإسلامي، تهز ضمائر المسلمين هزاً عنيفاً، وتبعث في نفوسهم الحياة والإحساس بالمسؤولية، وتكسر عنهم طوق الخوف والرعب الذي كان يملأ نفوسهم آنذاك، وتعيد إليهم ثقتهم بالله، ثم بأنفسهم.
حركة الإمام الحسين، عليه السلام، لم تكن حالةً انفعالية يمر بها ثائر مظلوم، وإنما هي حالة علاج مجتمع مهان، أهدرت كرامته حكومات ظالمة، وسياسات مستبدة
ومن هذا المنطلق؛ يتضح أن إقدام الإمام، عليه السلام، على الخروج والثورة على النظام الأموي، والمواجهة والمجابهة لم يكن لرفض البيعة، وإعلان هذا الرفض فحسب، وإنما كان أيضاً لتحريك المسلمين، وجعلهم يستشعرون المسؤولية، ولإعلان الموقف الشرعي، ودعوة المسلمين إلى المجابهة والمعارضة، والتمرد على السلطة الأموية.
فحركة الإمام الحسين، عليه السلام، لم تكن حالةً انفعالية يمر بها ثائر مظلوم، وإنما هي حالة علاج مجتمع مهان، أهدرت كرامته حكومات ظالمة، وسياسات مستبدة، أرادت له الخنوع والخضوع ونسيان التاريخ الحافل بالبطولات، لأمة فتية أُريد لها أن تحمل آخر رسالة سماوية في الأرض، لذلك فهذه الواقعة الأليمة إنما هي مرحلة مهمة، بل من أهم مراحل الصراع الدائم بين الخير والشر.
لقد تظافرت الأحاديث من طرق أهل البيت، عليهم السلام، بوجوب إحياء أمرهم، لكن يبقى التساؤل عن كيفية الإحياء وآلياته، فكيف يمكننا أن نحيي أمرهم؟
وقد أجاب الإمام الرضا، عليه السلام، حينما سُئل عن ذلك، فقال: “رحم الله عبداً أحيى أمرنا، فقيل: وكيف يحيى أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا معالم ديننا لا تبعونا”. (الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج٢٧، ص:٩٢)
ويُعد هذا جانباً مهماً من جوانب إحياء أمرهم واليه وكيفية الاحياء لكل زمن له شروط ومساحتة من الحرية في إظهار الجزع عن طريق.
والسؤال المهم: كيف يجب أن تُحيى زيارة الأربعين؟
والجواب عبر عدة أمور نذكرها لا على سبيل الحصر:
١- المشي في زيارة أربعين الإمام الحسين عليه السلام؛ هذه المسيرة المليونية التي أوقفت العالم على قدميه يفسر ويحلل ويتابع هذه الحشود المليونية التى تأتي لتقديم التعازي من شتى شعوب المعمورة، متحملة وعثاء السفر، وتكلفته المالية، وربما كل المخاطر من أجل قلوب تهفوا لذكرى الإمام الحسين، عليه السلام. ويقدم لها أهل البلد كل مستلزمات الراحة والضيافة بلا مقابل بلا مقابل، مما حدى بعض الباحثين إلى دراسة خصوصية الشعب العراقي في هذه الزيارة.
٢- الجانب المعرفي بإلقاء المحاضرات الدينية لتوعية أتباع أهل البيت، عليهم السلام، وشيعتهم.
٣- الجانب العاطفي عن طريق البكاء والنحيب واللطم ولبس السواد، بل حتى الضرب بالسلاسل وإقامة مراسم الشبيه، وإحياء كل رمز وشعيرة تعبّر عن الحزن العميق على ما جرى من الماسي والمحن والمصائب على أئمة أهل البيت، عليهم السلام، وذراريهم، حول الشعائر الحسينية؛ لكونها تشكل المعلم الأبرز.
ولكي نمارس هذه الشعائر المباركة بعقيدة راسخة وقناعة ثابتة لا تزعزعها الرياح الهوجاء من أعداء مذهب أهل البيت، عليهم السلام، الذين دأبوا على بث سموم الشبهات والترهات في أذهان عامة الناس والمستضعفين منهم، ليحرفوهم عن الصراط المستقيم؛ فينبغي ترسيخ هذه الشعائر في أنفسنا عن علم ومعرفة، وعن طريق الاطلاع على الأدلة التي تثبت مشروعيتها واستحبابها في الشريعة الإسلامية.
أخيراً يمكننا القول: إن زيارة الأربعين تأكيد على أن راية الأمام الحسين، عليه السلام، هي راية الله في العالمين، وما مسيرة الأربعين المظفرة، والمليونية إلا بيعة جديدة في كل عام نؤديها لسيدنا مولانا وقائد مسيرتنا الإمام المهدي المنتظر، عجل الله ــ تعالى ــ فرجه، قائلين له: نحن على العهد باقون، ولظهورك من المنتظرين، ولك ولجدك المظلوم سيد الشهداء ناصرين.
بوركتم و بوركت مسيرتكم، وبورك جهدكم وجهادكم ايها الحسينيون الأبطال يا من ترسمون أرقى وأنقى لوحة للجمال في العالم في مسيرتكم المليونية، و تبقى زحوفكم المليونية المباركة شوكةً في عيون الأعداء، فهم في حيرة من أمرهم فماذا يفعلون لوقفكم .
إن زيارة الأربعين تأكيد على أن راية الأمام الحسين، عليه السلام، هي راية الله في العالمين، وما مسيرة الأربعين المظفرة، والمليونية إلا بيعة جديدة في كل عام نؤديها لسيدنا مولانا وقائد مسيرتنا الإمام المهدي المنتظر، عجل الله ــ تعالى ــ فرجه