يروي الشيخ المفيد في كتابه الاختصاص عن الحسن ابن محبوب، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق، عليه السلام: يكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قلت: فيكون جباناً؟ قال: نعم، قلت: فيكون كذاباً؟ قال عليه السلام: لا، ولا جافياً، ثم قال له: يجبل المؤمن على كل طبيعة، إلا الخيانة والكذب. (الاختصاص للشيخ المفيد، ص:٢٣١).
فالكذب إذا حلَّ في مكان أشعلَ نيران الفتنة، ولا فرق بين كذبة صغيرة أو كبيرة إذا ما فُهمت الحقيقة بغير سماتها، وكمٍّ من المصائب حلّت بسبب الكذب، فيسمي الإمام العسكري، فيقول، عليه السلام: “جعلت الخبائث في بيت وجعل مفتاحه الكذب”. (الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة: ۱۱/۱).
فأي حوار دخل فيه الكذب سيكون نتيجته جملة من المشاكل التي قد يُستعصى حلها مستقبلاً، فمن أدب الحوار هجران الكذب، والاعتماد على الحقائق، فإذا كان هذا الحال للكذب فكيف بالبهتان وتعمّد الكذب، وقذف المؤمنين بشتى صنوف الغيبة، إلا أن يكون دواعي ذلك الشنأن الذي نهى عنة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
قد تستولي على فرد أو جماعة عادات وتقاليد لا صلة لها بالواقع؛ وذلك لأسباب عديدة مثل سيطرة القوة الواهمة، أو تعطيل التحليل العقلي للأمور، أو كثرة التصورات غير الشعورية، والجامع لهذه الأسباب هو الخرافة التي تنتجها القوة المخيلة بنحو ما، أو تحريف بعض الأمور الواقعية عما كانت عليه أولاً، وجعلها شيئاً آخر.
ولا أحد من العقلاء وأولي الألباب ينكر وقوع ذلك في بعض الموارد، وأمثلته كثيرة ومدونة في كتب السير والتاريخ، إلا أن هناك من تمادى في رمي الكثير من الحقائق والواقعيات بتلك الصفة، ومن بين ذلك بعض الطقوس الدينية المرتبطة بإحياء ذكرى سيد الشهداء، عليه السلام؛ حيث نُعتت بالخرافة والتحريف، وكأن الداعي لهذا هو ما يزعم من وجود نحوين من الشعائر:
الكذب إذا حلَّ في مكان أشعلَ نيران الفتنة، ولا فرق بين كذبة صغيرة أو كبيرة إذا ما فُهمت الحقيقة بغير سماتها، وكمٍّ من المصائب حلّت بسبب الكذب
الأول: ما كان طروه وحصوله نتيجة التلاعب والتحريف من قبل المغرضين، وهذا غاية المرام عند اعداء اهل البيت، عليهم السلام قديما وحديثا، فلذلك نحذّر شبابنا الحسيني الواعي التنبه والالتزام الهادف لإحياء زيارة الأربعين، لان العيون الراصدة
تقتنص هذة الممارسات وترسلها وتقدمها بعد القص للعالم الإسلامي لخلق تيار رافض لفكرة الحزن، وتبني فكرة الفرح بدل عنه بزعم أن الحسين، عليه السلام، في الجنة فعلاما الحزن بهذا المنطق اللاسوي والمجافي لطبيعة الإنسان الحر، فتُصور أتباع أهل البيت وحزنهم على المصاب كأنه بدعة لا أصل لها في السنة النبوية.
الثاني: ما كان مستنداً إلى سيرة أهل البيت وأخبارهم.
وهذا ما أكده الإمام الصادق، عليه السلام، وحث القراء والشعراء لتعلم طريقة إنشاده باللهجة العراقية الحزينة ذات الصوت الشجي المصحوب بالرقة.
إن المتعارف عن العزاء في زمن الأئمة أنه يُقرأ بطريقة خاصة تختلف عن إلقاء القصائد الشعرية على منصة الشعر، وهذا ما يفيده بعض الأوامر الصادرة عن الأئمة لبعض الشعراء عندما طلبوا منهم قراءة العزاء؛ كما ورد عن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله: يا أبا هارون، أنشدني في الحسين . قال: فأنشدته، فبكي. فقال: أنشدني كما تنشدون – يعني بالرقة قال: فأنشدته:
امرر على جدث الحسين
فقل لأعظمه الزكية
(ابن قالويه، كامل الزيارات، ص:٢٠٨).
وهذا الأمر من الإمام، عليه السلام، دليل ومؤشر واضح على وجود طريقة خاصة غير طريقة الإنشاء المعهود للشعر، وفي الوقت نفسه مغاير للكيفية الغنائية.
ومن سيل الأكاذيب التي تتعرض لها الشعائر الحسينية، التمسك بالبكاء على الحسين ونسيان أهدافه السامية، فمن بين التهم التي ألصقت بالشعائر الحسينية ـ الثابتة بالأدلة الكثيرة والمتواترة – هو أن البكاء على الحسين، عليه السلام، وعرض المشاهد المروّعة والمأساوية في ثورته باتت أمراً أساسياً وهدفاً مستقلاً – بل منفرداً أيضاً – لدى رواد المآتم؛ فأنتج اعتناؤهم بذلك نسيان المبادئ والقيم السامية التي قاتل الإمام الحسين من أجلها؛ بل ولد في نفوس الناس حالةً من الخنوع والتذلل تحت وطأة الجبابرة، فصار أفيوناً للناس، وهذا أمر لا يرتضيه الإمام باعتبار أنه فاتح رسالي همه الرئيس هو نشر أهدافه، ومن أهمها الوقوف بوجه السلطان المستبد.
وهذا ما ردَّ عليه الإمام الصادق، عليه السلام، بالدعاء لاصحاب تلك الشعائر الحسينية “اللهم فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلب على حفرة أبي عبد الله الحسين وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا”. (ابن قالويه كامل الزيارات ص٢١٥).
إن مجرد الكذب و الاستهزاء والسخرية بالشعائر والعبادات لم يكن مبرراً في يوم من الأيام لتحريم شيء أبداً، وكيف يكون مبرراً لذلك، وقد سخر من الرسول الأكرم، وأهل بيته، ولا زال أعداء أهل البيت يسخرون منا ومن شعائرنا.
أفهل يُعقل أن نترك شعائرنا لمجرد السخرية والاستهزاء، وقد حث الإمام الصادق، عليه السلام، شيعته على عدم ترك مراسيمهم في جواب شكوى أحد أصحابه من قوم سخروا منه حين زيارته قبر أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، وقد وصفهم الإمام بأنهم شرار الأمة، كما جاء على لسان جده المصطفى، فقد روى أبو عامر، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن جده عن الحسين أن النبي، صلى الله عليه وآله، قال لعلي: “يا أبا الحسن إنَّ الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة وعرصةً من عرصاتها، وإن الله تعالى جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده تحن إليكم وتحتمل المذلة والأذى فيكم فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرباً منهم إلى الله ومودة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنة.
إن مجرد الكذب و الاستهزاء والسخرية بالشعائر والعبادات لم يكن مبرراً في يوم من الأيام لتحريم شيء أبداً، وكيف يكون مبرراً لذلك، وقد سُخر من الرسول الأكرم، وأهل بيته، ولا زال أعداء أهل البيت يسخرون منا ومن شعائرنا
يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها، فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه فأبشر، وبشر أولياءك ومحبيك من النعم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ولكن حثالة من الناس يعيرون زوّار قبوركم بزيارتكم، كما تُعير الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا نالتهم شفاعتي، ولا يردون حوضي”. (الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام:ج٦ص ٢٢).
فسلام على الحسين
وعلى علي بن الحسين
وعلى اولاد الحسين
وعلى اصحاب الحسين