قَدِم الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، في خلافة المنصور الدوانيقي إلى النجف الاشرف فضرب خيمة له، ومعه خادمه، فجاء رجل على بعيره، فسأله الإمام، عليه السلام: من اين قدمت؟
قال: من أقصى اليمن.
قال: أنت من موضع كذا وكذا؟
قال: نعم أنا من موضع كذا وكذا.
قال: فيما جئت ههنا؟
قال جئت زائراً للحسين، عليه السلام.
فقال أبو عبد الله، عليه السلام: فجئت من غير حاجة ليس إلا للزيارة؟
قال: جىئت من غير حاجة إلا أن أصلي عنده وأزوره فأسلم عليه وأرجع إلى أهلي.
فقال أبو عبد الله: وما ترون في زيارته؟
قال: نرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا.
قال: فقال أبو عبد الله: أفلا أزيدك من فضله فضلاً يا أخا اليمن؟
قال: زدني يابن رسول الله.
قال: إن زيارة الحسين تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول الله، فتعجب من ذلك، قال: إي والله وحجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله، فتعجب، فلم يزل أبو عبد الله، عليه السلام، يزيد حتى قال: ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول الله.(كامل الزيارات لابن قولويه : ٣٠٤ ب / ٦٦ / ٩).
فنمى ذلك الموكب في الصحراء القفر وأصبح اليوم شواهقَ من العمران تناطح السماء كلها تبذل وتخدم لزوار أبى عبدالله الحسين، عليه السلام، لان الثقافة والعمران والتطور دليل رقي الإنسان.
إن حضارتنا الإسلامية هي من اروع الحضارات في العالم من ناحية العمران والبناء وكانت قبلة الثقافة والفنون في جميع الأماكن والأزمنة، حيث كانت لها باع ببناء الفنادق ودور العلم وكانت لها طابع خاص تميزت به وهي الفنادق أو الخانات كما عرفت في حضارتنا الإسلامية والتي أشار إليها القرآن الكريم عندما تحدث عن جواز دخول الأماكن العامة ومن ضمنها اماكن الاستراحة.
فقال تعالى {ليْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ}. (سورة النور/ الآية:۲۹)، وقال أئمة التفسير في ذلك عنها البيوت المبنية بالطرق التي ليس بها سكان معروفون، وإنما بُنيت لمارة الطريق، وأبناء السبيل والمسافرين ليأووا إليها ويرتاحون فيها، وإنشاء الفنادق كان منذ بدايات حضارتنا الإسلامية.
وحتى قبل الاسلام حيث اهتمت بأحوال المسافرين وتكمن أهمية هذه الفنادق أنه لما كان ابن السبيل المستحقين لأموال الزكاة، فقد سعت حضارتنا الإسلامية لتقديم كل ما يلزمه من طعام وشراب وسكن.
وقد انتشرت الفنادق على طول الطرق التجارية بين المدن الإسلامية وعلى الطرقات الخارجية وكان أكثر روادها من التجار، وطلاب العلم والحجاج فيوقت الحجيج فكانت هذه الدور تقدم الطعام والشراب مجانا للفقراء وأبناء السبيل، لان الحضارة الاسلامية كانت مبنية على التآلف والمحبة التي زرعها الرسول الله، صلى الله عليه واله وسلم، في قول المؤمنين.
ومن ثم أطلق على الخانات التي تقدم الطعام مجانا دار الضيافة وأن لوجود مثل هذه الفنادق عاملا مساعدا لطلبة العلم في الذهاب إلى أي قطر إسلامي، لذا كان اهتمام العتبات المقدسة في بناء استراحة تشبه المدن الكبيرة فهي بحق مدن خاصة للزائرين تؤوي المسافرين وتستقبل الفقراء بحب حسيني كبير، ولاسيما ما قدمته العتبة الحسينية المقدسة في طرق المؤدية الى مدينة كربلاء، مدن عامرة بالخير والمحبة ودليل على الثقافة والعمران التي ترسم ملامح الطريق الحقيقي لبناء الاسلام الصحيح.