هناك جملة من المجالات المختلفة التي يمكن أن نستثمر فيها زيارة الأربعين، بما يحقق فوائد جمّة وكبيرة للمسلمين وللبشرية بشكل أعمّ وأشمل، فالاستثمار وإن كانت مفردة اقتصادية المعنى، إلا أن العقل يستطيع أن يمارس الاستثمار في مجالات الحياة كافة، فتغدو هذه الكلمة شاملة وممكن تجريبها في مجالات التربية والثقافة والسلوك وفي مجالات متعدد في حياة الناس.
في هذه الحلقة الأولى من سلسلة استثمار زيارة الأربعين، سوف نتناول هذه الزيارة من الجانب الاقتصادي، وإمكانية استثمار بما يعود بالفائدة على الجميع من تأدية مراسيمها، فإذا كانت المواكب الحسينية تقوم بواجبات الضيافة المختلفة لزوار أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، فإن هناك آلاف بل عشرات الالاف من فرص العمل التي توفرها هذه الزيارة.
مما نلاحظه طوال أيام هذه الزيارة بدءا من شهر محرم، صعودا إلى ايام شهر صفر كلها، نلاحظ توافد شباب العراق من مدنه ومحافظاته كافة إلى مدينة كربلاء المقدسة، والهدف هو الحصول على فرص عمل من خلال العمل في بيع السلع المختلفة التي تدر أموالا لا بأس بها على هؤلاء الشباب، فمعظم الزوار يعودون إلى أهاليهم وبلدانهم ومدنهم يحاولون أن يحملوا معهم هدايا لأفراد عوائلهم من كربلاء الحسين عليه السلام.
يمكن أن نستثمر هذه الزيارة في البيع والشراء، ويمكن أن تكون الغاية تحقيق الربح الصحيح والمناسب وفق الشريعة الإسلامية، وعدم استغلال الناس، والابتعاد عن التعاملات التي يوجد فيها خداع للناس أو نوع من الغش في البيع
هذه السلع المختلفة تحمل رائحة كربلاء، وترتبها المعطرة بدماء أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، فتكون لها رمزية عالية، وتأثير معنوي إيماني كبير جدا، ولهذا يكون هناك إقبال كبير على شراء السلع والبضائع المختلفة من محافظة كربلاء، وهذا يحقق للشباب الباعة في (بسطيات وجنابر) كبيرة وصغير أرباحا جيدة تساعد الشباب على العيش بكرامة.
وبعض هؤلاء الشباب يمكنه من توفير مبالغ جيدة يفتح فيها مشاريع متنامية بعد زيارة الأربعين، فتتطور وتنمو وتتفرع وتصبح للشاب مصادر رزق إضافة على مدار السنة، وهناك أمثلة ميدانية يمكن استلالها من الواقع الفعلي لعدد كبير من الشباب، تؤكد بأنهم تمكنوا من استثمار زيارة الأربعين اقتصاديا بشكل مناسب وجيد عاد عليهم بمكاسب جيدة.
هناك من يقول: بأن هذه الزيارة مخصصة للجانب العقائدي والديني أكثر من أي جانب آخر، وإذا كان هذا القول صحيحا ولا يتنافى مع الحقيقة، فإن أنشطة البيع والشراء التي يقوم بها الشباب لا تتنافى وإحياء مراسيم هذه الزيارة ولا تتضارب معها، إذا كانت عمليات البيع تجري في إطار ضوابط البيع والشراء ضمن الأحكام الدينية والأعراف الاجتماعية المعروفة.
نعم؛ يمكن أن نستثمر هذه الزيارة في البيع والشراء، ويمكن أن تكون الغاية تحقيق الربح الصحيح والمناسب وفق الشريعة الإسلامية، وعدم استغلال الناس، والابتعاد عن التعاملات التي يوجد فيها خداع للناس أو نوع من الغش في البيع، فالمهم هو أن يجري هذا النوع من الاستثمار ضمن الضوابط والأحكام الدينية والعرفية التي تتماشى مع ضوابط الدين والشريعة.
لابد أن نتفق على أن الغاية من زيارة الأربعين ليست تحقيق الأرباح، ولكنها أيضا لا تمنع من العمل في الإطار الصحيح للعمل، ومن الأفضل أن يكون جزء من هذا العمل يصب في جانب خدمة الإمام الحسين، عليه السلام، ونصرته، فنحن نعرف شبابا يعملون نصف النهار مقابل أجر للحصول على رزق عوائلهم، وهؤلاء الشباب أنفسهم يعملون ساعات النصف الآخر من النهار في المواكب الحسينية حيث يقدمون أنواع الخدمات لزوار الحسين، عليه السلام.
هؤلاء الشباب هم نموذج يحتذى به، لأنهم يؤدون مسؤولياتهم تجاه عوائلهم وأطفالهم، وفي نفس الوقت يؤدون واجباتهم تجاه زوار سيد الشهداء، عليه السلام، هذه القيم وهذا التماسك الأخلاقي يؤكد أن الشباب الحسيني يعرفون ما هو المطلوب منهم، لذلك فإن العمل في زيارة الأربعين والاستثمار الاقتصادي فيها ليس ممنوعا ولا مرفوضا.
لكن هناك نقطة مهمة في هذا الجانب، وهي أن لا يتعارض تحصيل وكسب هذا الرزق مع الواجب الذي يجب أن يقوب به الشباب والمؤمنون الآخرون تجاه زوار الحسين، عليه السلام، فالمطلوب هو الموازنة الصحيحة بين الاستثمار الاقتصادي لزيارة الأربعين، وفي نفس الوقت يجب أن يقوم الشخص بمسؤوليته تجاه أسرته من حيث تحصيل الرزق الحلال.
هؤلاء الشباب هم نموذج يحتذى به، لأنهم يؤدون مسؤولياتهم تجاه عوائلهم وأطفالهم، وفي نفس الوقت يؤدون واجباتهم تجاه زوار سيد الشهداء، عليه السلام
على أن لا يكون ذلك عائقا أمام خدمة الزوار الكرام، لذا فإن هذا الاستثمار المتوازن لزيارة الأربعين، يجعل منها فرصة لتحقيق فرص عمل جيدة، وفي نفس الوقت يجب أن يكون هناك إصرار للشباب على تقديم الخدمات الطوعية المهمة للزوار الكرام، كونهم يتقدمون على الضرورات الأخرى باعتبار إنهم أصحاب كرامة خاصة مصدرها الإمام الحسين عليه السلام.