رأي

هل يوجد علماني بصير؟

لا يبدو أن ما أحدثته أولمبياد باريس 2024 من إثارة على مستوى الفكر بريئاً، لأن فرنسا وحسب تاريخها مع الصراع الديني العلماني، تعتبر أوضح مصاديق العلمانية المتوحشة، وهنا تصبح العلمانية بوصفها ديناً تدين به الدولة، ففي فرنسا لا تعني العلمانية مجرد الفصل بين الدين والدولة، بل هي مبدأ راسخ وأساس في المعتقد العلماني، بحيث لا تقبل أي تمظهر من تمظهرات أي دين آخر على المفاصل السياسية أو مناحي المجتمع.

إذاً أين يمكن أن يؤثر الدين؟

الإجابة عندهم: أن الدين لابد أن يكون مدفوناً في القلب دون أدنى أثر أو علامة، ولهذا فإن أي سلوك متوحّش نراه في السياسة العلمانية ضد كل ما يرتبط بالدين، فهو نابع من أسس دين العلمانية المتطرّف.

ويمكن أن نصفها بالعلمانية السلفية، لأنها امتداد للثورة الفرنسية في القرن التاسع عشر حتى اصبح قانوناً في العام 1905م.

قد يطرب العلماني المتأثّر بالغرب لسلوك الجهات العلمانية العالمية، إلا أن أي مشهد يراه منها، يحتاج منه إلى تأمل وبصيرة، لكي لا يكون علمانياً مقلداً أعمى في تقليده، ولكي يكتشف هشاشة واقع العلمانية وأصولها المعرفية، أوليس ينادون بالعلم والبصيرة والمعرفة؟

 إذن؛ فلابد أن يتسلّح العلماني بهذه الأدوات في قراءة الحدث العلماني، كما يحاول جهلاً أن يوهن المعرفة الدينية (الفكرة الدينية)، والتمظهرات الدينية (الشعائر الدينية) من خلاله نقده الهزيل.

رسالة إلى كل علماني مأخوذ بالعلمانية، وكل منجذب إلى سرابها الهش، بأن يتأمل في مفارقات عديدة في نموذج الأولبياد الذي يجري في فرنسا 2024، وألمح إلى مفارقات ثلاث:

المفارقة الأولى: إذا كانت الرياضة كسلوك نافعٍ ومسلٍّ يأخذ هذا الزخم الكبير من التظاهر والبهرجة والاستهلاك المالي الذي يتوقع أن يصل إلى 9 مليارات يورو، فإن الدين كمعرفة أولاً، وكنظام حياة ثانياً، لا يشذّ عن هذه القاعدة، فلو قامت شعائر الدين بالبروز في المجتمع، وقام أصحابها بالصرف المالي طواعية، فهو أمر سائغ، فالمنشأ الفكري واحد في الحالين، مع اختلاف العمق المعرفي بحسب ما يؤمن به صاحب الإيمان، واختلاف في تحكّم شركات الاسثمار في الجانب العلماني، وتحكّم روح العطاء والبذل والإحسان في الجانب الديني، فتأمل.

المفارقة الثانية: السخرية بشخصية نبي من أنبياء في افتتاحية الأولبياد، وهو شخصية موضع تقديس للكثير من المؤمنين، تعتبره العلمانية الفرنيسة سلوكاً حضارياً وتعبيراً عن حرية التعبير، ولكنهم لن يسمحوا لأحد أن تكون حرية في التعبير عن الدين والمعتقد الذي يتبناه، فيتم حظر كل ما يعبّر عن الدين مثل الحجاب الإسلامي، والصليب المسيحي.

عن المؤلف

السيد محمود الموسوي

اترك تعليقا