بأقلامکم

الفراشةُ المحظوظة

أتذكر كنت يوما ما مع اصدقائي في حديقة عامة، وشأنها شأن بقية الحدائق حيث الازهار و الأشجار والحشائش الناعمة التي تغطي الأرض ببساط اخضر، وليس الناس وحدهم في هذه الحديقة، بل هناك روّاد محبين لهذه الحدائق كالعصافير والفراشات والقطط .

وبينما نحن جالسون إذ أتتْ فراشة بألوانها الزاهية التي تسرّ الناظرين وهبطت على الأرض، لكن هناك من كان ينتظر هذا الهبوط بفارغ الصبر وما أن هبطت تقرّب منها قطٌّ يُحملق بعينيه ويركز جيدا، ويخطو رويدا رويدا كي لا تهرب فريسته، ولسوء حظ هذا القط فإن هناك طفلا كان يقترب من القط من خلفه إلى درجة وصل إلى ذيله! وبحركة سريعة داس على ذيل القط، ففزع القط وانتبه ولم يحصل على فريسته التي طارت أيضا .

كان هذا المنظر امامي وكان يحمل الكثير من الرسائل، فكلنا يعلم كم هي القطط سريعة الإنتباه ولعلك مررت من أحد القطط وأحس بك على بعد عدة مترات، فلماذا في هذا الموقف لم يحس القط باقتراب الإنسان منه إلا بعد أن داس على ذيله!

ولعل الجواب: لان القط كان مشغولا بشهوته، لذا فإنه لم يحس باقتراب الخطر من عنده، فكان كل تفكيره كيف يصطاد الفراشة وكيف يشبع بطنه .

وهذه الصفة ليست عند القط فقط، بل الإنسان كذالك، إلا أن الانسان يمتلك العقل الذي يميز به الصواب عن الخطأ، لكنه حين يسير وراء رغباته ويريد إشباع شهواته – وأقصد هنا الشهوات المحرّمة – هنا يغيب دور العقل ولا يشعر بخطر الشهوات وعواقبها.

الشخص الذي ينصاع إلى أوامر شهواته لا يفكر في خطرها حتى لو ان عقله يناديه: ” توقف..هذا فعل قبيح، هناك ضرر سوف يلحق بك “، إلا أن صوت عقله يتضاءل شيئا فشيئا أمام دويّ الشهوة

يُروى عن أمير المؤمنين علي، عليه السلام: “إذا أبصرت العين الشّهوة عمي القلب عن العاقبة”. (ميزان الحكمة – ج٤ ص٣٢٨٨).

فالشخص الذي ينصاع إلى أوامر شهواته لا يفكر في خطرها حتى لو ان عقله يناديه: ” توقف..هذا فعل قبيح، هناك ضرر سوف يلحق بك “، إلا أن صوت عقله يتضاءل شيئا فشيئا أمام دويّ الشهوة .

والحال أنه سوف يهوي في بئر الخطيئة ولا ينتبه الا حين يرتطم رأسه بقاع البئر، حينها سيفكر في الحبل الذي ينجيه من هذا البئر .

وهذه المشكلة يقع فيها الكثير من الناس في حين أن حلها موجود، فقد روي عن رسول الله الأكرم محمّد، صلى الله عليه وآله: “إذا هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك خيراً ورشداً فاتّبعه، وإن يك غيّاً فدعه”. (المحاسن – ج١ ص١٦).

 ومن ثم إن كل شهوات الإنسان لها طريق حلال و آمن لا تَبعةَ فيه، ولتعلم أيضا أن الله ــ سبحانه وتعالى ــ لم يخلق الإنسان ويودع فيه الشهوات كي يعذبه بها، أو يصعّب عليه حياته، حاشاه فهو ما خلقنا إلا ليرحمنا .

لذا فالتفكّر في عاقبة العمل قبل القيام به يُجنّب الإنسان الخطر والضرر المحتمل جرّاء هذا العمل، ويكون في مأمن من السقوط في بئر الخطيئة والندم، يُروى عن أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام: “التّدبير قبل العمل يؤمن النّدم”. (ميزان الحكمة – ج٤ ص٣٢٧٠).

عن المؤلف

علي الشمري

اترك تعليقا