في مقال سابق تطرقنا إلى صناعة الشخصية النموذجية للمرأة المسلمة في عصرنا الراهن، وإمكانية الاستفادة من النموذج الزينبي، وتحديدا من تجربة السيدة الحوراء زينب عليها السلام، وكيفية مواجهتها للمصاعب الهائلة والمسؤوليات الجسيمة التي تصدت لها في أعقاب معركة الطف الخالدة، وفي رحلة السبي الشنيعة التي تجرّأ فيها أعداء الإسلام على أهل البيت، عليهم السلام.
من المؤكَّد أن تحويل التجربة الزينبية من حالتها النموذجية إلى حالة تطبيقية عملية يحتاج إلى جملة من الآليات والخطوات العملية التي يتم تطبيقها فعليا، حتى يمكن بناء الشخصية النموذجية الزينبية للمرأة المسلمة في هذا العصر الذي يضجُّ بما يسمى بموجات الانفتاح الهائلة التي يتم تمريرها وترويجها عبر وسائل التوصيل المختلفة ومحاولة نشرها على أنها النموذج العالمي الأفضل للمرأة.
لكن هذا الترويج ليس له بالصدق من بعيد أو قريب، ولا يناسب واقع المرأة مطلقا، ولا يحمي مكانتها وقيمتها، لأن النموذج المطروح والمسوَّق عالميا يسعى إلى تحويل المرأة إلى سلعة ربحية مادية لا أكثر، بعيدا عن قيمتها الإنسانية التي تؤكد بأنها كائن خلقه الله للعزة والكرامة، وليس للتسويق والتشهير والارتزاق المادي السريع.
لذا نحن كمسلمين على وجه الخصوص نحتاج إلى أن نضع بين المرأة وبين هذه الثقافات الترويجية المغرضة حواجز كبيرة، حتى تكون المرأة المسلمة في عصرنا الحالي في مأمن من هذه الموجات التي تسعى إلى تشويه مكانة المرأة بحجة التطور ومجاراة العصر.
فما هي السبل والآليات والخطط التي يمكن من خلالها نشر وتعميم النموذج الزينبي للمرأة المسلمة، ومن هي الجهات أو الشخصيات أو المؤسسات التي تقع عليها مسؤولية التصدي لهذه المهمة الكبيرة في عصرنا هذا؟
نحن كمسلمين على وجه الخصوص نحتاج إلى أن نضع بين المرأة وبين هذه الثقافات الترويجية المغرضة حواجز كبيرة، حتى تكون المرأة المسلمة في عصرنا الحالي في مأمن من هذه الموجات التي تسعى إلى تشويه مكانة المرأة بحجة التطور ومجاراة العصر
إن هذه القضية أو هذا الهدف الذي يتمثل بصناعة الشخصية أو النموذج الزينبي للمرأة المسلمة، لها صبغة تربوية في المنحى الأول لها وهذا يحيلها كمسؤولية على الجهات والمؤسسات التالية:
أولا: المؤسسة الأسرية
إنّ صناعة النموذج الزينبي للطفلة أو الفتاة أو المرأة الزينبية، تبدأ بوادره الأولى في أحضان الأسرة، فالأم المؤمنة المتعلمة يمكنها أن تصنع من بناتها منذ الطفولة نماذج ملتزمة عبر التربية النموذجية، وزرع النموذج الزينبي في عقول ونفوس وسلوكيات البنات الصغيرات، وهذا يؤكد الدور الهام للمؤسسة الأسرية ولدور الأم تحديدا في القيام بهذا الدور الكبير، وإذا قامت الأم بالتأسيس الصحيح لصنع النموذج الزينبي داخل العائلة، فإن البنات ينشأن ويترعرعن ويكبرن على هذا النموذج الزينبي الملتزم.
ثانيا: المؤسسة التعليمية
هذه المؤسسة التربوية المهمة في حياة الناس، يمكن أن يكون لها دور حاسم في صناعة النموذج الزينبي عند الطالبات بدءاً من المرحلة الابتدائية صعودا إلى المراحل الدراسية الأخرى، فمثلما يتباهى الغربيون أو غيرهم بالنماذج التي يصنعونها من النساء عموما ومن الفتاة بأنها امرأة معاصرة مثقفة متحررة، ويتم تسويق هذا النموذج عبر حالات العري وعدم الاحتشام وتسويقه على أنه حرية وثقافة، فإن نموذجنا الذي يمكن أن تسوقه المؤسسة التربوية مختلف تماما عن النموذج الغربي.
إننا نقدم في مؤسستنا التربوية الفتاة الزينبية الملتزمة المحتشمة المثقفة التي تطرح نفسها كنموذج إنساني مثقف وملتزم ومحتشم، يهتم بعقلية المرأة وسبل الارتقاء بها معنويا، والسماح لها بالارتقاء المادي المتوازن الملتزم، فتتم المحافظة على كيانها وحرمتها وكرامتها، وفي نفس الوقت تمتلك الشخصية الذكية الناجحة المتوازنة.
ثالثا: المؤسسة الدينية
يمكن للمؤسسة الدينية بما تحتويه من مرافق ومنظمات وأمكنة تثقيفية مختلفة، وقدرات علمية وتربوية، أن تتصدى لهذه المهمة الكبيرة في صناعة النموذج الزينبي الواثق، فالمرأة الزينبية يمكن أن تقتحم الحياة ومصاعبها، ويمكن أن تحقق فيها النجاحات الكبيرة المتتالية، إذا كان النموذج الزينبي حاضرا ومتدخلا في الصناعة التربوية للمرأة.
إنّ صناعة النموذج الزينبي للطفلة أو الفتاة أو المرأة الزينبية، تبدأ بوادره الأولى في أحضان الأسرة، فالأم المؤمنة المتعلمة يمكنها أن تصنع من بناتها منذ الطفولة نماذج ملتزمة عبر التربية النموذجية
فقد تصدت السيدة الحوراء زينب لمسؤوليات تفوق قدرات المرأة والرجل معا، وتعددت هذه المسؤوليات بين الإعلامي والتربوي ومسؤولية الحماية للأطفال والنساء في رحلة السبي الطويلة، وقد فضحت الأعداء في عقر دارهم وهزت عروش الطغاة وفضحت مآربهم وحافظت على مكانة أهل البيت من أبناء الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله.
هذه الشخصية الزينبية القوية العصامية يمكن تعميمها كنموذج في المجتمع، عبر المؤسسات الدينية والحوزوية، وليس هناك أي تناقض بين هذا الدور التربوي الملتزم وبين اقتحام المرأة لمجالات النجاح المختلفة في المجتمع.
وأخيرا: هنالك جهات أخرى يمكنها أن تتدخل في صناعة المرأة الناجحة، كالإعلام مثلا، ووسائله المختلفة، وهناك للمفكرين والمثقفين ورجال الدين والخطباء، أدوار كبيرة ومهمة في صنع النموذج الزينبي الناجح والملتزم للمرأة المسلمة، وحتما في حالة تظافر الجهود والتنسيق المشترك فيما بينها سوف تكون المرأة المسلمة نموذجا للنساء الناجحات إسلاميا وعالميا.