رأي

احترام عقائد الناس من أبسط حقوق الإنسان

قامت معظم المجتمعات منذ بدء البشرية على علاقات متبادلة بين أفرادها، وعلى صلات ووشائج وروابط اجتماعية، لا تخلو من الاحترام واحترام الآخرين من الصفات التي يحبها الباري ــ سبحانه وتعالى ــ ويأمر بها، ومن مصاديقها ما امتدح الله تعالى به نبينا الأكرم، فقال له: {وإنك لعلى خلق عظيم}.(سورة القلم، الآية:٤)، وقال تعالى: {فيما رحمة من الله لنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَا نفضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المتوكلين}.(سورة آل عمران، الآية:۱۵۹)، وقال له: {خُذِ الْعَفْوَ وَأَمُرُ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَن الجاهلين} (الأعراف، الآية: ۱۹۹).

 وقد كان احترام الناس في جميع الأحيان جزءاً من النهج الثابت للرسول الأعظم له، ويمكن أن نقول ولم نكن في ذلك مبالغين: أن هذا السلوك المفضل كان من أهم عوامل سموه.. حيث كان  يهتم بجميع الدقائق النفسية للناس في سبيل احترامهم، وان دار الأمر بحقوق اتباع اهل البيت، عليهم السلام، تقوم الدنيا ولا تقعد لمجرد رفع مقترح هو تمتع بما يعتقدونه عندئذ يخرج الشيطان من مغرزه وينفث على ألسنة اتباعه فتسقط كل شعارات التمدن والحرية وحقوق الإنسان.

وَسَقَطَتْ وَرَقَةُ التُوتِ

وسقطت كل الأوراق مع مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية مرة أخرى، اطلعت على بعض المقالات التي يعترض كتّابها فيها على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، وهي اعتراضات مريبة ومقْلقة حقّاً  .

للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أنْ يختار المذهب الشيعي أو السُنّي الذي تُطَبّق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية

 فبعضها يقول: إنَّ التعديل يسمح بزواج القاصرات، و بعضها الآخر يتحدث: عن أنَّ التعديل يسلب حق الحضانة من الأم، وثالث يدّعي أنّه سيتسبب بإثارة النعرات الطائفية، ورابع يعتبر أنَّ التعديل سيكون سبباً لزيادة حالات الطلاق.

وهذه إدعاءات في غاية الغرابة، فمقترح التعديل ليس فيه كل ذلك، وكل ما جاء فيه هو ثلاث مواد، والزبدة فيهنّ إضافة فقرة ثالثة للمادة (2) من قانون الأحوال الشخصية ذي الرقم (188)، ونصّهُا بعد حذف ما لا يخل حذفه بالمضمون :

(3) أ. للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أنْ يختار المذهب الشيعي أو السُنّي الذي تُطَبّق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية.

ب. تلتزم المحكمة المختصة بالنسبة للأشخاص الوارد ذكرهم في الفقرة (أ) أعلاه عند إصدار قراراتها وفي جميع مسائل الأحوال الشخصية بتطبيق أحكام (مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية).

ت. يلتزم المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السُنّي بوضع مدوّنة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية، وتقديمها الى مجلس النواب للموافقة عليها خلال ستة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون .

ث. تُقسَّم مدونة الأحكام الشرعية الى بابين :

الأول: ينظم أحكام مسائل الأحوال الشخصية طبقًا للفقه الشيعي الجعفري، والآخر ينظم أحكام مسائل الأحوال الشخصية طبقاً للفقه السُنّي، ويُعتَمَد في وضعها على رأي المشهور عند فقهاء كل مذهب في العراق، وفي حال تعذر معرفة رأي المشهور في الفقه الشيعي الجعفري، يعتمد المجلس العلمي رأي المرجع الديني الذي يرجع إليه في التقليد أكثر الشيعة في العراق من فقهاء النجف الاشرف، وفي حال تعذر معرفة رأي المشهور في الفقه السُنّي فيجب الأخذ برأي المجلس العلمي والإفتائي .هذه هي زبدة التعديل، ولا شيء فيه من كل ما أدُّعي .

 نعم؛ هذا التعديل إذا صوّت البرلمان على أصله وصوّت ثانية على المدونتيّن – الشيعية والسُنّية – بعد إنجازهما فسيمَكّن المتدينون من العمل بمقتضى شريعتهم في خصوص أحوالهم الشخصية فقط وفقط، وليس في كل شريعتهم الشاملة لكل مواقع الحياة من حدود وديات وجنايات وتعاملات مالية وغيرها.

على أنَّ هذا التعديل في النهاية لا يُكْرِه أحداً على الإلتزام بأيٍّ من المدونتين الشرعيتيَن لو أُقرَتا، وبإمكان العلمانيين والمدنيين أنْ يبقوا على الإلتزام بالقانون القديم، أو حتى بقانون جديد يجمعهم !وأمّا الأقليات فهم من الأول لهم وضعهم الخاص في أحوالهم الشخصية .

وعلى فرض أنَّ بعض الإشكالات تام، أو أنَّ بعض الأحكام ممّا لا تساعد على طرحه الظروف أو متطلبات الواقع، كما يطرح بعض مَن نُحْسن الظن بهم فلا بأس بمناقشة ذلك عند طرح مقترح التعديل في البرلمان، لا أنْ يرفض برمّته !

إذن لنسمِّ الأمور بمسمياتها بنحو صريح، هؤلاء يريدون أنْ يمنعوا المتدين إذا اختار أحدى المدونتين بمحضّ إرادته أنْ يستند الى شريعته حتى في قضايا الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وإرث وما يرتبط بذلك، مع أنَّ ذلك لا يمثل سوى جزئية صغيرة من مقتضيات التدين ،ومع أنَّ هذ ممّا كفله الدستور لهم صريحاً، إذ جاء  في المادة (41) منه:”العراقيون احرار في الإلتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون”.

وعلى فرض أنَّ بعض الإشكالات تام، أو أنَّ بعض الأحكام ممّا لا تساعد على طرحه الظروف أو متطلبات الواقع، كما يطرح بعض مَن نُحْسن الظن بهم فلا بأس بمناقشة ذلك عند طرح مقترح التعديل في البرلمان، لا أنْ يرفض برمّته!

فأين دعاوى أنَّ العلمانية والمدنية لا تتعارضان مع الدين ولا تحاربانه، سقطت الشعارات عند أول مفترق، وبانت الأمور على حقيقتها، فقد وقف كل أدعياء الحرية والمدنية والعلمانية وموجّهيهم وأذنابهم، وبعض الجهلة منّا ممَن لا يرَوَن أبعد ممّا بين أقدامهم، ضد جزئية أراد بعض المتدينين بطرحها إختبار صدّق تلك الشعارات الزائفة.فسقطت ورقة التوت.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا