جميع ربات البيوت تشكو انتشار النمل في الغرف والمطابخ، و تحاول بشتى الطرق التخلص منها وإبادتها دون وجود مبرر علمي او منطقي لهذه الهجمة العنيفة ضد هذه الحشرة الصغيرة وغير المؤذية، كما لو أنها تزاحم الناس على طعامهم ومكان جلوسهم ونومهم!
هذه الحشرة الصغيرة ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة خاصة بها “النمل”، وهي من السور المكّية المتضمنة مسائل عقائدية تشمل سيرة الأنبياء مع أقوامهم، وايضاً؛ قدرة الله –تعالى- وحكمته في الحياة، وهي التي أضحت؛ بحكمة إلهية معلماً لأحد أبرز الأنبياء وهو؛ سليمان، وتنبهه الى احتمال ارتكابه الخطأ غير المقصود في الآية المعروفة التي خاطبت النملة أصحابها بأن يدخلوا مساكنهم قبل ان يحطمنهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون.
وفي حديث لسماحة آية الله السيد هادي المدرسي وصف النمل بأنهم أمة، بما يعني ضرورة التعامل معها بحكمة أكثر، وعدم التسرّع في إصدار الاحكام القاسية، وتفهم علّة وجودها في الطبيعة بشكل عام.
النمل في لغة العلم
يقدر العلم أعداد النمل في العالم بحوالي مليون مليار نملة، أما عدد أنواعه فيصل إلى 12 ألف نوع، وحسب التحليلات والدراسات فان ظهوره على وجه الأرض يعود الى ما يقارب 140-168 مليون سنة، وهي مسألة تقريبية، وليست ثمة دليل علمي قاطع وبرهان على هذه الفرضية، إذ يحيل علماء الأحياء وجود النمل الى “العصر الجوراسي”؛ أي عندما بدأت الديناصورات في الظهور، وعندما كانت النباتات عبارة عن أبواغ ومخروطيات كالصنوبر والسراخس، وكان النمل حينها بأعداد قليلة مقارنة مع أنواع الحشرات الأخرى، ثم بدأ بالانتشار بكثرة واحتلال أماكن كبيرة ومتنوعة لبناء المستعمرات وتخزين الغذاء.
ويفسّر العلم سبب انتشار هذه الحشرة بـ “التحولات والتغيّرات المناخية”، بيد أن السبب الأساس من النظرة السطحية والسريعة؛ اقترابها من الانسان، بعد التطور المستمر مع الزمن في بناء المساكن وانحسار المناطق الخضراء والمزروعة على سطح الكوكب، بشكل عام، مما جعلها من أكثر الحشرات عدداً لتوفّر البيئة الآمنة تحت أسطح البيوت والمباني، وبالقرب من مصادر الغذاء المستمر، بفضل إنشاء “مستعمرات” كبيرة وواسعة لها تحت الأرض.
غذاء النمل
يحتاج النمل للماء والغذاء ليبقى على قيد الحياة تماماً كأي كائن حي آخر، ويُعد النمل من آكلات اللحوم والنباتات، وهذا يعني أنها تتناول معظم الأشياء القابلة للهضم، كما أنّه يستفيد من كافة الأطعمة التي يجدها أمامه لتخزين الطعام، وإطعام أفراد المستعمرة، وفيما يأتي أهم العناصر الغذائية التي يفضلها النمل:
- البروتين: والذي يجده النمل في جميع الحشرات الغنية بالبروتين، وتكمن أهميته بأنه يُغذي النمل بشكل كافي للنمو والانتشار، فاليرقات وملكة النمل تتغذى عليها، ويقوم عمال المستعمرة بتقطيع الأطعمة ومضغها ثم إطعامها لليرقات لتنمو وتكبر، وتستهلك مستعمرة النمل الواحدة 6 ملايين حشرة على مدار العام، سواء كانت ميتة أو حية من خلال محاوطتها وتغطيتها وقتلها ثم أكلها.
- السكر والكربوهيدرات: وهذه العناصر تمدّ النمل بالطاقة كما أنه يُحب السكر ويُفضّله، ويحصل عليه من تناول العصير، والعسل، والسكر، ومحلول الماء بالسكر، وتتناوله بكميات متوازنة تجنبًا للموت.
- الماء: وهو العنصر الأساسي للبقاء على قيد الحياة، فالنمل يستطيع العيش بدون طعام لفترة طويلة إلا أنّه لا يستطيع ذلك بلا ماء، فعلى سبيل المثال يحصل النمل الاستوائي على الماء من ندى الأوراق في الصباح الباكر، أو عن جدران الأعشاش بعد أن تتجمع الرطوبة عليه، كما يبحث دائمًا عن مصدرٍ وفيرٍ للماء يكون كافياً وثابتاً.
الصفات السلوكية للنمل
فيما يأتي عدة معلومات غريبة عن النمل توضّح سلوكه:
يتواصل النمل فيما بينهم من خلال “الفيرمونات” وهي مواد كيميائية صغيرة يضعها النمل في خط مساره لتتبعها المجموعات في نفس المسار، وهذا ما يُفسر سير النمل في طوابير متتالية، ويُعد هذا التواصل الكيميائي معقد جداً لكنّه طريقة تواصل النمل الأساسية، وهناك ما يُقارب 200 نوعاً من النمل تتواصل من خلال الصوت أو إحداث الضوضاء، ويلتقط النمل هذه الإشارات ويتعرّف على زملائه من خلالها.
أما عن بيت النمل، فانه يبني بيوته في بيئات مُختلفة تُسمى بالأعشاش ولها عدة أنواع:
- الأعشاش الانتهازية: وهي مكان يجد فيه احتياجاته، من رطوبة، وغذاء، وحماية كأجزاء المنزل والأخشاب، وهذا ما يؤدي لبحث أصحاب المنازل عن طرق للتخلص من النمل.
- التربة: وهذه البيوت التي تحفرها مجموعة النمل كالأنفاق حيث تُزيل ضغط التربة وتبني أعشاشها فيها لتستطيع تلبية احتياجاتها.
- الأعشاش المعقدة: وهذه البيوت المعقدة التي تمتد عدة أقدام تحت الأرض، وتتألف من الأنفاق المتشابكة والتي تتصل معاً وتُغطّى بتلال ترابية كبيرة.
هل للنمل فائدة؟
للنمل عدة فوائد تعود على البيئة:
- تساعد مستعمرات النمل الكبيرة على تهوية التربة مما يخلق نظاماً بيئياً مستقراً نظراً لإعادة تدوير الحيوانات الميتة والحشرات والمواد المتحلّلة.
- تُعزز تسريب الماء وتدوير الهواء في التربة، مما يعود بالفائدة على جذور النباتات.
- تُلقح النباتات عن طريق زحف النمل من زهرة إلى أخرى.
- تُساعد في مكافحة الآفات، يقتل النمل نسبة كبيرة من الذباب، كما أنّها لا تتناول النباتات ولا تُدمرها.
هذا رأي العلم، وخلاصة بحثه في حياة هذه الحشرة الصغيرة التي أثبت انها ليست من الحشرات الضارة والخطيرة، ولا تسبب نقل الامراض، إنما يحتاج الأمر تحديد أماكنها او مستعمراتها –حسب الوصف العلمي- في البيوت، وليس بالضرورة القضاء عليها بالمبيدات الكيميائية التي ربما تلحق ضراراً بسكان البيوت، ولاسيما الأطفال.
*المصدر: موقع موضوع