مناسبات

الحزن ولبس السواد في حق سيد الشهداء

إنّ مشروعية اللطم والحزن والرثاء ولبس السواد على مصاب الامام الحسين، عليه السلام، من ابسط المواساة لاهل البيت، عليهم السلام، لان هناك من اعترض على مسألة اللطم على مصاب الإمام الحسين، عليه السلام، بلا تثبت او ينعق مع كل ناعق  بأنه أمر غير مشروع، فنقول: لقد ورد ذكر اللطم في العديد من النصوص الشرعية والتاريخية التي نقلت في الكتب المعتبرة لكبار علماء الشيعة، وهو نوع من التعبير عن الحزن والألم واظهاره للعلن وعلى رؤس الاشهاد  بذكرى تتجدد وكأنها ما انفكت تذكّر بذاك الصوت المحاصر بين جيوش الاعداء، وجيش العطش والشماتة : “هيهات منا الذلة”.

العزاء سنة تكوينية وإلهية

يشير إليه قوله تعالى: {فما بكت عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ والارض}.(سورة الدخان الآية:٢٩)، إذ إن الله ــ سبحانه ــ قد نفى بكاء السماء والأرض على هلاك قوم فرعون الظالمين، وهو ما يقضي بوجود فعل البكاء كظاهرة كونية، وإلا لما كان النفي معنى محصل.

وقد أشارت مصادر أهل اخوتنا أهل السُنة بوقوع هذه الظاهرة الكونية عند مقتل الإمام الحسين، عليه السلام، من مطر السماء دماً، واحمرارها مدة مديدة، ورؤية لون الدم على الجدران، وتحت الصخور والأحجار في المدن والبلاد الإسلامية، فلاحظ ما ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج ١١ / ص ٢٢٦) في ترجمة الحسين، بل إن كتاب (ذي أنكلو ساكسون كرونكل) ص ۳۵، ۳۸ ،٤٢) المطبوع سنة ١٩٥٤م، حين يأتي على ذكر أحداث سنة ٦٨٥م التي تقابل سنة ٦١هـ سنة استشهاد السبط ع يذكر أن فيها مطرت السماء دماً، وأصبح الناس في بريطانيا فوجدوا أن ألبانهم وأزبادهم تحولت إلى دم.

علينا دوما – في تعظيمنا الشعائر الحسينية – الرجوع إلى كبار العلماء للاسترشاد بآرائهم واستبيان الأحكام والمواقف الشرعية بهذا الصدد، ولا يمكننا أن نفعل ما نشاء حسب رغباتنا دون التثبت من الموقف الشرعي في كل نشاط نقيمه

هذا من جهة ومن جهة اخرى رضا أئمة اهل البيت، عليهم السلام، على احياء هذه العَبرة والزفرة والحرقة والشجى في نفوس الاحرار، وقد روى الصدوق بأسانيده، وروى غيره ان دعبل الخزاعي أنشد الإمام الرضا، عليه السلام، تائيته المشهورة، ومنها قوله:

إذن للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

فلم يعترض عليه الإمام، عليه السلام، بل بكى، وأعطى الشاعر جائزة (عيون أخبار الرضا، ومقتل الخوارزمي).

وهناك كثير يستفاد منها من الحزن على مصاب سيد الشهداء، عليه السلام، لتلك القلوب النقية وليس القلوب التي ران عليها فسودت، فأخذت تتحين الفرص والتقاط السقطات لتشبع تشفيها بابتسامة مسمومة، او تعليق ساخر ينشر عبر تواصل الافتراضي، فكأن شماتة الشمر وابن سعد لم يكتفى بها، فاخذوا يتمونها على اتباع اهل البيت تندرا بالمجالس والندوات فاكهون وادعون بل متشفون!

تلك الدموع تجعل القلب والعاطفة والوجدان احياء، وهناك الكثير من الأمور التي يمكن من خلالها جعل القلب حياً متواصلاً مع تعاليم الله ــ سبحانه وتعالى ــ منها

١- الذكر، وتقوى الله سبحانه وتعالى وهل كان غائبا في مصيبة عاشوراء؟

٢- والتفكر ومعاشرة أهل الفضائل، ألم يكن أصحاب الامام الحسين، عليه السلام، من النخب والاتقياء وسادة قومهم؟

٣- إطعام المساكين؛ ألم يحضُّ الإسلام عليه وعدها من انبل الصفات؟

٤- الرفق باليتيم، وذكر الموت، وتلاوة القرآن الكريم، على ألا ننسى بأنه لا يمكن ملء الكأس بالماء النظيف (إذا ما كان ذلك الكأس متسخاً)، إلا إذا تم تنظيفه قبل وضع الماء النظيف فيه، وهكذا القلب فعلينا تخليصه من الذنوب والمعاصي، فاذا ما تهيأ له ذلك أصبح القلب وعاء للعلم والحكمة.

فالحذر كل الحذر ان تتحول تلك الشعائر الى فلكلور تقليدي خالي من الدمعة الحقيقية والعبرة من المصاب في مقارعة وصفع الظلم والظالمين، وهذا مايحاول أعداء اهل البيت، عليهم السلام، جرَّ شبابنا اليه رويدا رويدا.

علينا دوما – في تعظيمنا الشعائر الحسينية – الرجوع إلى كبار العلماء للاسترشاد بآرائهم واستبيان الأحكام والمواقف الشرعية بهذا الصدد، ولا يمكننا أن نفعل ما نشاء حسب رغباتنا دون التثبت من الموقف الشرعي في كل نشاط نقيمه، لأن قضية الإمام الحسين، عليه السلام، هي ليست ملكنا حتى نستطيع أن نتصرف بها دون حدود أو قيود.

إحياؤنا لعاشوراء لم يأتِ من فراغ، بل يستند إلى أسس وقواعد رصينة ورؤية شرعية وفقهية، وضعها لنا أئمتنا الأطهار، عليهم السلام، وهو استجابة لندائهم والاقتداء بسيرتهم والسير على نهجهم النير

 ونذكر هنا بأن “الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء”، فالنهضة الحسينية على هذا القدر من الأهمية والمكانة في نظر الإسلام.

إذن ينبغي توظيف كل الإمكانات المتاحة للتعريف بنهضة الإمام الحسين، عليه السلام، وحركته الإصلاحية الثورية الاستشهادية، سواء أكان عبر مجالس العزاء، أم الكتابة والقصة، والسينما، والمسرح والأدب والشعر وغيرها، فكل هذه الوسائل يمكنها الإسهام بشكل كبير في طرح عاشوراء بشكل لائق للعالم أجمع

فإحياؤنا لعاشوراء لم يأتِ من فراغ، بل يستند إلى أسس وقواعد رصينة ورؤية شرعية وفقهية، وضعها لنا أئمتنا الأطهار، عليهم السلام، وهو استجابة لندائهم والاقتداء بسيرتهم والسير على نهجهم النير.

 يضاف إلى ذلك أن الشعوب والأمم التي تحترم رموزها وشخصياتها التي تترك بصمات في تأريخها هي شعوب حية، لأن قادتها ورموزها تعني لها الإرث والتاريخ، فهي تحيي ذكراهم وتقيم لهم المهرجانات والمنتديات (كل حسب عاداته وتقاليده، فضلاً عن عقائده)، والعرب يتغنون ويتفاخرون بالشاعرة الخنساء تبكي أخاها صخر وتندبه كنوع من ضرب الوفاء للمرأة العربية الوفية، وإذا دارت تلك الدموع نحو الحسين ع تصبح بدعة، فأي ظلال ما بعده ظلال من عيون وقلوب ألين منها صوان.

عن المؤلف

كريم الموسوي

اترك تعليقا