من الضروري أن نجعل تأثرنا بمصائب أهل البيت، عليهم السلام، بمثابة تأثرنا على مصابنا الشخصي، كالمفجوع بعزيز “وَلِمِثْلِهِمْ فَلْتَذْرِفِ الدُّمُوعُ، وَلْيَصْرُخِ الصّارِخُونَ، وَيَضِجَّ الضّاجُّونَ، وَيَعِـجَّ الْعاجُّوَن، اَيْنَ الْحَسَنُ اَيْنَ الْحُسَيْنُ اَيْنَ اَبْناءُ الْحُسَيْنِ”.
كما يشير إليه التعبير في زيارة عاشوراء: “وعظم مصابي بك”، فمن عظمت مصيبه بمن يحب لا يتوقع اجرا مقابل ذلك التأثر، ولا يجعل ذلك (ذريعة) للحصول على عاجل الحطام، كما تلاحظ ذلك فيمن يتوسل بهم توصلا إلى الحوائج الفانية، وليعلم في هذا المجال أن التأثر بمصائبهم التي حلّت بهم صلوات الله عليهم، كامن في أعماق النفوس المستعدة، فلا يحتاج إلى كثير إثارة أخرى، كما روي: “وإن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا”.، أضف إلى أن هذا التأثر العميق، مما يدعو العبد إلى الولاء العملي والمتابعة الصادقة وهو المهم في المقام .
إنّ القرآن الكريم قد تضمن الرثاء والندبة على المظلومين بدءاً من هابيل إلى الأنبياء والرسل، عليهم السلام، ورواد الصلاح والعدالة والجماعات المصلحة المقاومة للفساد والظلم كأصحاب الأخدود
ومنها “الحزن لحزنهم، والفرح لفرحهم”:ه ي{إن تصبك حَسَنَةً تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَد أَخَذْنَا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون}. (سورة التوبة/ الآية: 50). أي أن العداوة للنبي، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته، عليهم السلام، مقتضاها الحزن لفرحهم، والفرح لمصيبتهم وأن المحبة تقتضي الحزن لحزنهم، والفرح لفرحهم، وعليه يكون العزاء وإقامة المأتم والرثاء على مصاب سيد الشهداء من مقتضيات الفريضة العظيمة الخالدة مودة القربي.
إنّ القرآن الكريم قد تضمن الرثاء والندبة على المظلومين بدءاً من هابيل إلى الأنبياء والرسل، عليهم السلام، ورواد الصلاح والعدالة والجماعات المصلحة المقاومة للفساد والظلم كأصحاب الأخدود، وقوافل الشهداء عبر تاريخ البشرية، وحتى الأطفال المجني عليهم كالموؤودة.
بل قد رثى وندب ناقة صالح، عليه السلام، لمكانتها، ولم يقتصر القرآن الكريم على الرثاء والندبة عليهم، بل أخذ في التنديد بالظالم والعتاة الظلمة، وتوعدهم بالعذاب والنقمة والبطش كما في بعض القصص القرآنية المختلفة.
وهنا نستذكر فاجعة كربلاء الأليمة وشهر محرم يستذكر فينا واقعة الطف هي العبرة هي الحرية، و الإباء، والكرامة، والإسلام، وكل هذه المعاني يحاول أعداء الإسلام إلغاءها ومحاربة من يتمسك بها.
العراق يتعرض الى هجمة شرسة ما أحوجه اليوم أكثر من أي وقت مضى الى دروس واقعة الطف، على كل من يقاتل، بل وحتى من يتابع ان يتمثل له الحسين، عليه السلام، أمامه وهو مضرج بدمائه من اجل هذه القيم التي ترتقي بحياتنا في الدنيا والآخرة، فهل يرضى لنفسه بالتهاون ؟ وهل يرضى للعدو من ان ينال منه ؟ وهل يرضى ان يكون دم الحسين عليه السلام ارخص من دمه؟
إذا أردنا ترجمة العِبر والمعاني العظيمة لواقعة الطف فهاهي الفرصة مواتية وأمامنا يزيد بعينه، وابن زياد بعينه، والشمر بعينه، وابن سعد بعينه لعنهمالله في الدنيا والآخرة، فهل سيُسمح لهم بالنيل منا ومن طفّنا؟
أيام محرم هي أيام عظيمة فلنسطر بها لوحات بطولية لتشهد ان دمَ الحسين، عليه السلام، كان حاضرا في هذا المشهد البطولي، ولنقدم ذكرها ومأساويتها التي انفردت بها على مر التاريخ الإنساني بأحسن تقديم.
كيف نحيي هذه الذكرى؟
إن طريقة وكيفية أداء الشعائر الحسينية وإقامة مجالس العزاء لها دور أساسي في إيصال رسالة الإمام الحسين، عليه السلام، للأجيال، بل إن إظهار عظمة الثورة الحسينية ومبادئها السامية، وقيمها ومثلها العليا يتوقف بشكل كبير على طريقة طرحها للعالم وللأجيال، والتي ينبغي أن تكون طريقة مثلى حضارية مدروسة وهادفة لا تشوبها شائبة أو مثلبة، وهنا ينبغي أن نكون حريصين كل الحرص على إعطاء الصورة الناصعة التي تجسد فعلاً تلك الملحمة الخالدة.
وهكذا الحال في البكاء على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، فقد ورد في الروايات الشريفة “إن كل عين باكية يوم القيامة لشدة من الشدائد إلا عين بكت على الحسين فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة”. (بحار الأنوار: (٤٤/٢٩٣).
وهنا لابد ان نشير الى مسألة مهمة؛ لولا هذه المجالس لما رأينا شبابنا الغيور الذين هبوا لنصرة الدين والدفاع عن الوطن.
إن إظهار عظمة الثورة الحسينية ومبادئها السامية، وقيمها ومثلها العليا يتوقف بشكل كبير على طريقة طرحها للعالم وللأجيال، والتي ينبغي أن تكون طريقة مثلى حضارية مدروسة وهادفة لا تشوبها شائبة أو مثلبة
السلام على الحسين
وعلى على ابن الحسين
وعلى أولاد الحسين
وعلى أصحاب الحسين