الإيثار تأتي في اللغة بمعنى التضحية، وهذه المفردة لها بريق لامع ومؤثر في عقول الشباب، خصوصا أن التضحية غالبا ما تنتج عنها مخرجات إيجابية كبيرة، فلا توجد تضحية على مر التاريخ إلا وتمخضّت عن نتيجة مهمة أخلاقية أو دينية أو ثقافية أو اجتماعية، وفي كل الأحوال للإيثار أو التضحية دور فاعل في مضاعفة التماسك المجتمعي.
الشباب هم الأكثر اندفاعا نحو الإيثار لأنهم يتميزون بالحماسة، والتضحية تحتاج إلى نوع من الإقدام يمتلكه معظم الشباب، لاسيما أولئك المؤمنون بالقيم والمبادئ التي ترعرعوا في ظلها، والشباب الحسينيون نشأوا بالفعل في رحاب النهضة الحسينية، وعاشوا تفاصيلها، فهل يكفي أنهم عرفوا معنى الإيثار؟ أم أنهم مسؤولون عن نشر هذه القيمة الكبيرة بين الشرائح الأخرى في المجتمع؟
إنّ أي مجتمع يبحث عن التميز والنجاح، بين المجتمعات الأخرى، لابد أن يشجع الأفراد على التضحية من أجل الآخرين، وهذا ما سعت إليه النهضة الحسينية منذ الساعات الأولى لانطلاقها، فمنذ أن خرج الإمام الحسين، عليه السلام، وأصحابه الأخيار لإحقاق الحق، كان هذا الهدف بحاجة إلى إبداء التضحيات الكبيرة والاستعداد التام لبلوغ الهدف.
الشباب الحسينيون لهم دورهم الكبير في توعية جميع الناس من الشباب أو من غيرهم، لبقية الأعمار والشرائح الأخرى
فالمنازلة سوف تكون مع عدو لدود، طاغية متجبر، سعى إلى مصادرة الإسلام وتدمير العقيدة الإسلامية، ونشر الانحراف والفساد والفسق بين الناس، والاستمرار في تجهيلهم حتى يسهل عليه التحكم بهم، فصار الإسلام تحت رحمة هذا المتجبر، وتحرير الإسلام وإعادة الاعتبار له وتوعية الناس عليه، يحتاج إلى تضحية وإيثار هائل قد يصل إلى التضحية بالنفس، لأن المنازلة تدور مع طاغية مستبد وظالم.
وهكذا زرع الإمام الحسين، عليه السلام، في قلوب أصحابه ومؤيديه روح التضحية والإيثار، وثبّت في قلوبهم الإيمان بهدفهم، وفتح عقولهم على المبادئ الصحيحة، مبادئ الإسلام والأخلاق الرفيعة، فانطلقت الثورة الحسينية منذ خروج الإمام عليه السلام من الحجاز، واستمرت في تصاعدها منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا.
فالشباب الحسينيون لهم دورهم الكبير في توعية جميع الناس من الشباب أو من غيرهم، لبقية الأعمار والشرائح الأخرى؛ في البدء على كل شاب أن يحصّن نفسه ويثقفها ويدربها على الإيثار من أجل نصرة مبادئ الحسين عليه السلام، ومن ثم مواصلة هذا الطريق عبر تطبيقه من قبل الشباب في واقع المجتمع.
ولا تنتهي المهمة عند هذا الحد، فالشاب الحسيني تقع عليه مسؤولية أخرى غير الإيثار والتضحية، إنه مطالَب أيضا بغرس هذه القيمة في نفوس الآخرين من الشباب وغيرهم، لأن التضحية هي من أهم مبادئ وأهداف النهضة الحسينية، كما أنها من أهم سبل تقدم المجتمعات في عالم اليوم، لأن المجتمع الذي لا يكون مستعدا للتضحية لا يمكنه مجاراة المجتمعات الأخرى.
وهذه حقيقة لابد أن يفهمها الشباب الحسينيون، لا يمكن للأمة والمجتمع أن يتقدم إذا لم يتوفر الاستعداد التام للشباب للتضحية من أجل جعل المجتمع في المقدمة، أما أشكال ومضامين هذه التضحية الحسينية الشبابية فهي كثيرة ومتنوعة وفاعلة أيضا، وهذه المضامين هي:
أولا: العمل الطوعي
يجب أن يسعى الشباب الحسيني إلى زرع هذه القيمة في نفوس الآخرين، لأن العمل الفرد أو الجماعي الطوعي، يُسهم في تقدم المجتمعات ويضاعف من قوتها وتماسكها.
ثانيا: ثقافة الإيثار
يجب على الشباب أولا وعلينا جميعا، أن نباشر في نشر ثقافة التضحية بين الجميع لأهميتها في تطور المجتمع.
ثالثا: تعميم مبادئ النهضة الحسينية
مبادئ الحسين عليه السلام تعني رفض الظلم واكتساب قوة المبادئ ومقارعة الاستبداد، وهذه ثقافة يجب أن تنتشر بين الناس جميعا.
رابعا: نشر الوعي والمعرفة
يجب على الشباب أولا وعلينا جميعا، أن نباشر في نشر ثقافة التضحية بين الجميع لأهميتها في تطور المجتمع
يجب أن يتصدى الشباب الواعي الحسيني إلى مهمة نشر الوعي بين الناس، لأن الوعي والمعرفة تقضي على الجهل، وإذا تخلص الإنسان من جهله أصبح حرا، وبالتالي لن يكون خاضعا للمستبد والحاكم الجائر.
خامسا: تطبيق مبادئ النهضة الحسينية
لا يكفي أن يدّعي الشباب بأنهم حسينيون، مستعدون للتضحية والإيثار، بل يجب التحرّك الفعلي نحو تقديم وتجسيد التضحية في أرض الواقع، وهذا الأمر سوف يثبت الإيمان الحقيقي للشباب بقيم عاشوراء وبالمبادئ التي أعلنها الإمام الحسين، عليه السلام، كغاية ظيمة لنهضته ضد الظلم والانحراف. وأخيرا؛ نصل إلى نهاية المطاف وإلى حجر الزاوية في هذه المقالة التي ندعو فيها إلى تعزيز روح التضحية ليس بين الشباب وحدهم، وإنما مطلوب من الشباب أنفسهم نشر هذه الثقافة بين الجميع، على أن يرافق هذا الاستعداد بالتضحية، إيمان عميق بأهداف النهضة الحسينية، واستعداد تام لتجسيد هذه المبادئ فعليا و واقعيا.