“إلهي إن كان هذا يُرضيك فخُذ حتى ترضى”.
الامام الحسين، في يوم عاشوراء
بين لنا رسول الله، أن الصبر يكون في ثلاث مسارات: الصبر على المعصية، والصبر على الطاعة، والصبر عند المصيبة.
الامام الحسين، عليه السلام، صبر يوم عاشوراء على ما نزل به من مصائب جمّة، ليس أقلّها استشهاد ابنه علي الأكبر، وكان يحبّه حبّاً جمّا، فقد كان يستذكر به جدّه المصطفى، “كلما اشتقنا الى رؤية رسول الله نظرنا الى وجه علي الأكبر”، والمصيبة الأخرى المؤلمة؛ استشهاد ولده الرضيع بتلك الطريقة المفجعة، بيد أن هذا الصبر لم يكن مثل أي صبر آخر يجربه سائر الناس.
علماء الأخلاق بحثوا في الصبر على المصيبة فوجدوا فيها مراتب، فنحن عندما نصبر على مصيبة ما، مثل؛ الموت، او أزمة ما في حياتنا، فهذا يعني أننا نكبح جماح العاطفة ونحكّم العقل فلا نتخذ مواقف انفعالية نفقد بها اتزاننا الشخصي، وربما يفقد البعض ايمانه وعقيدته لعدم تقبله ما استجد في حياته، بغضّ النظر عن الأسباب، وإذن؛ يكون الصبر هنا على مضض، كما نلاحظ الحفاظ على رباطة الجأش عند من فقد عزيزاً له، أو من يتعرض للاعتقال، او يرقد في المستشفى بسبب تعرضه لحادث سير، فصبره هنا من دوافع نفسية واجتماعية يقودها العقل لاختيار موقف القوي والمتماسك أمام المصيبة الحاصلة.
الرضى بالقضاء والقدر، وبما يقسمه الله – تعالى ــ للإنسان، له جزيل الأجر والثواب يوم القيامة، كما له الأثر الوضعي في الحياة الدنيا، تجعله من الناحية النفسية والروحية مستقراً ومطمئناً لوضعه العام
أما المرتبة الأخرى للصبر على المصيبة نتعلمها من الامام الحسين، عليه السلام، يوم عاشوراء برضاه الكامل بما جرى عليه، ففي الحالة الأولى؛ يتمنى الانسان عدم حصول المصيبة، بينما الامام الحسين موطنٌ نفسه منذ البداية على التضحية بكل ما يملك في سبيل الله – تعالى ــ ولتحكيم قيم السماء.
هذه المرتبة الأعلى والأسمى تنطلق من قاعدة الإيمان المطلق بالله – تعالى ــ وإلغاء أي دور للذات في تحقيق أعمال كبرى مثل الإصلاح، او نشر الوعي والهداية بين الناس، يحتمل تعرض صاحبها لمختلف اشكال الضغوط والتهديدات والمنغّصات، ولذا نجد الامام الحسين، عليه السلام، عندما يستشعر دم طفله الرضيع ينساب في كفه، بينما كان يحاور القوم ليقنعهم بسقيه شربة ماء، لم يقل سوى هذه الجملة في هذه اللحظة الصادمة: “هوّن ما نزل بي إنه بعين الله”.
هذه المرتبة من الصبر على المصيبة تجعل صاحبها ذي مقدرة على إدارة أمور حياته بكل ثقة وأمل بالغد الأفضل، بما يسميه علماء النفس حالياً؛ “الحالة الإيجابية”، فالرضى بالقضاء والقدر، وبما يقسمه الله – تعالى ــ للإنسان، له جزيل الأجر والثواب يوم القيامة، كما له الأثر الوضعي في الحياة الدنيا، تجعله من الناحية النفسية والروحية مستقراً ومطمئناً لوضعه العام، وانه على خير، وهذه الحالة والمرتبة (الرضى) تتركه أثرها ايضاً على علاقاته الاجتماعية فيكون نموذجاً للإنسان الناجح بقناعته، و هدوءه، و رضاه.
إن الإمام الحسين يعلمنا الصبر مع الرضى وقد استشهد، سلام الله عليه، بتلك الطريقة المفجعة ليعلمنا كيف يكون صبرنا في هذه المرتبة العالية لنعيش باطمئنان واستقرار نفسي وقلبي، ونتطلع دائماً على حياة أفضل.