ثقافة رسالية

لنطابق حياتنا مع النهضة الحسينية.. رسائل في استقبال شهر محرم

قال ــ تعالى ــ: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}

هذه الكرة الارضية التي نعيش فيها تختلف فصولها شمالا وجنوبا، في الوقت الذي نعيش في النصف الشمالي الصيف اللاهب، تعيش الكرة الارضية في نصفها الجنوبي في فصل الشتاء البارد، تماما على عكس ما نعيش فيه.

وفي الوقت الذي تتفتح في تلك البلاد الزهور ايذانا منها بالربيع، تتساقط اوراق الشجر عندنا ايذانا بفصل الخريف، فالانسان اينما عاش فإنه يتأثر بالفصل الذي يعيش فيه.

 إلا ان هناك فصول لا يختلف فيها الناس، فهي تمر على الكرة الارضية على نحو سواء، فكل من يعيش على الارض سيمر على ذلك الفصل في آن واحد وفي موعد واحد.

على الرغم من أن ملايين البيوت يقيمون العزاء على الإمام الحسين في هذا الفصل، فإن هناك خمسة ملايين حسينية حول العالم، وبالقطع واليقين عدد المواقع التي يحيى فيها ذكر الحسين من اول بلد تشرق عليه الشمس (نيوزلاندا) الى اخر منطقة في كندا، لا شك ان العدد أكثر من خمسة  ملايين، ومئات الملايين من البشر تفاعلون مع هذا الموسم.

والناس في هذا الفصل ينقسمون الى قسمين كما بينه الإمام الحسين، عليه السلام، فقد كتب رسالة حينما خرج من مكة متوجها الى الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى بني هاشم من لحق استشهد ومن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح”. رسالة مختصرة جدا لكنها عميقة.

الإمام يعلم أن خاتمة طريقه الاستشهاد وقد صرّح بذلك مرارا وتكرارا “وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاوات بين النواويس وكربلاء ..”، وقال: “شاء الله ان يراني قتيلا”. وكذلك هنالك من يعلم ان الإمام سيقتل في كربلاء كأم سلمة، والبعض ممن سمعوا عن رسول الله حول مقتل أبي عبد الله.

الفتح الذي يريده الإمام الحسين

“ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح”

الفتح الأول:

والسؤال هنا: كيف يمكن ان يكون هناك فتح ونهاية الطريق هي الاستشهاد والقتل؟

وسؤال آخر: لماذا تخلف الناس عن الإمام حينما دعاهم؟

الجواب: ارادوا ان ينجوا بانفسهم من القتل وقد اخطأؤوا، ذلك ان الفتح لا يكون إلا مع ولي الله وفي الجبهة الحق، فمن يتصور انه سيحصل على الفتح من دون الحسين واهم.

الاحنف بن قيس من الذين كتب اليهم الإمام الحسين، لكنه لم يستجب، وبعد ست سنوات من واقعة كربلاء، اي في سنة سبع وستين هجرية، خرج الاحنف مع جيش مصعب وقُتل معه!

فالناس حين لا يلتحقوا بجيش الحق فإن هذا الجيش يُسحق، وكذلك الناس ايضا يقتلون ولربما في جبهة الباطل.

الفتح الثاني: قال ــ تعالى ــ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} نزلت هذه الآية في صلح الحديبية، فأين هو الفتح مع انه لم يتغير شيء!

الذي تغير هو إقرار مشركي قريش بحركة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، فتحولت الى حركة مطاردة غير مشروعة، الى حركة بإمكان من يريد اللحاق بها، وبالتالي أخذت هذه الحركة منحى جديدا، وتوسعت باتجاهات جديدة.

فتحُ الإمام الحسين، عليه السلام، لعله الذي نجده اليوم في العالم في ملايين المنابر التي تذكر أبي عبد الله، عليه السلام، ولا زلنا في بداية الطريق.

الفتح الثالث: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ}

ينبغي على المؤمن حين يدخل في شهر الحسين، ان يقدم شيئا، فالذي يستطيع ان يقيم مجلسا او مأتما على ابي عبدالله، فعليه القيام بذلك، وإن لم يستطع فعليه المساهمة ولو باليسر وكما يقال بالعامية: (ولو بربع دينار)

سيأتي ذلك اليوم الذي أراد الله له ان يكون، أن تقام على هذه الارض الدولة الكريمة التي يعز الله الاسلام وأهله، ويذل النفاق والفسوق واهله، { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} السلطان، جعله الله بيد وليه الاعظم الإمام المهدي المنتظر، عجل الله فرجه.

من يركب سفية الحسين يدرك هذا الفتح من ذلك الزمان الى اليوم، فسفية الإمام المهدي هي سفية الحسين، والمشروع واحد.

كيف ندرك الفتح مع الإمام الحسين؟

وذلك يكون من خلال ثلاث وقفات:

الاولى: عامة المؤمنين.

الثانية: خدّام الإمام الحسين عليه السلام.

الثالثة: عامة الناس.

الوقفة الأولى: إذا اردنا ان ندرك الفتح مع الحسين، علينا ان نقدم شيئا، فمجرد ان نجلس على الارائك ونتمنى ان نكون مع الإمام الحسين، فهذا لا يكفي، ومجرد القول: “يا ليتنا كنا معكم” ايضا لا يكفي.

ينبغي على المؤمن حين يدخل في شهر الحسين، ان يقدم شيئا، فالذي يستطيع ان يقيم مجلسا او مأتما على ابي عبدالله، فعليه القيام بذلك، وإن لم يستطع فعليه المساهمة ولو باليسر وكما يقال بالعامية: (ولو بربع دينار)، القضية ليست بالكثرة، وإنما بالموقف والمبادرة “وثبت لي عندك قدم صدق مع الحسين واصحاب الحسين”.

ومن لا يستطيع كل ذلك، بإمكانه تقديم الخدمة في الانشطة المختلفة التي تقام، كأن يقوم بتعليق السواد وما اشبه، حتى على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، يجب ان يعرف الآخرون ان هنالك شيء تغير في هذا الشهر.

أضف الى ذلك؛ على المؤمن الحضور في مجالس أبي عبدالله، صحيح ان اليوتيوب والقنوات الفضائية تبث المجالس الحسينية المختلفة، لكن الصورة المهيبة للمجالس بحضور الشباب والشاب التي ينبهر بها العالم يجب ان تبقى، فالذين يقولون ان شباب العراق في منحدر الهاوية يجب ان تصل اليهم الصورة الحقيقية، وذلك يكون بحضور الشباب في مجالس أبي عبدالله الحسين.

وحضور الشاب في المجلس الحسيني يجب ان يكون حضورا واعيا وفعالا، فالخطيب يتعب نفسه من اجل الموسم الحسيني، تحضيرا وقراءة ومطالعة، والحضور الواعي يتمثل ان يمعن المستمع لما يقوله الخطيب، فمثلا يأخذ ورقة وقلما، او يكتب في الموبايل، ويسجل بعض الملاحظات والافكار، ليعود الى البيت ليحلل كلام الخطيب، بل اكثر من ذلك فإذا قد اخطأ الخطيب في بعض كلامه، فلربما جاء برواية غير موجودة، او تكلم بشيء غير صحيح.

المنبر الحسيني لا يشتت الناس، ولا ينشر السلبيات، والخطيب او الخادم لا يمزّق الشيعة، فمن يسعى لهذا يخالف كلام الإمام”لطلب الاصلاح في أمة جدّي”

حينئذ يجب تنبيهه بأسلوب مناسب، كأن يتم التواصل مع عن طريق صفحته في التواصل الاجتماعي، او كتابة ورقة واعطائها له في اليوم التالي، حتى يوضح الخطأ او الاشتباه الذي وقع فيه.

نحن بحاجة الى شعب واعٍ والى شباب يحضرون مجالس أبي عبدالله بوعي، ومعرفة، وهذا يكون بالطريقة التي ذكرناها لحضور المجالس، وهذا الوعي سيتجلى في محاربة من يدعون الانتماء الى المنبر الحسيني وهم ليسوا بأهل له، ومحاربة المزيفين ومن يجلوس على المنبر، ليس مسوؤلية علماء الدِين فحسب، بل على المجتمع ان يتحمل مسوؤليته ايضا، وذلك بكون المجتمع واعيا، وسواء كان المنحرف خطيبا ام منشدا (رادود).

فالرادود الذي يضمّن قصيدته كلاما مخالفا للعقيدة، وفيه ما يوهم الغلو، يجب ان يُترك هذا المجلس والخروج منه، ذلك ان اللطميات مشروع اصلاح، وامر بالمعروف ونهي عن المنكر لا عكس ذلك.

الوقفة الثانية: مع خدّام الإمام الحسين

والكلام لاي نوع من انواع الخدمة تقدم للإمام الحسين، وبأي مرتبة كان الخادم؛ الإمام الحسين لا يريد من خادمه (الطشّة) بل يريد منا الاخلاص، وهو القائل: “إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي”.

فالمنبر الحسيني لا يشتت الناس، ولا ينشر السلبيات، والخطيب او الخادم لا يمزّق الشيعة، فهل هذا يعد مطابقا لكلام الإمام”لطلب الاصلاح في أمة جدّي”؟

الرادود الذي يتغنّى بالحسين، ويستخدم عبارات فيها غلو وفي بعض الاحيان فيها شرك بالله ــ تعالى ــ، او ان بعض الرواديد يفكر ما تريد الناس وان تصبح قصيدته ترند كما يعبر في وسائل الإعلام.

الإمام الحسين مشروع اصلاح، ولذا يجب قبل ان يخطو خادم الامام اي خطوة يسأل نفسه: هل تصب هذه الخطوة في طريق الاصلاح أم لا؟

الوقفة الثالثة: لعامة الناس

الامام الحسين ليس فردا، وإنما الحسين جبهة، وهو راية، ومشروع، فمن اراد ان يلتحق بالحسين، فيجب ان يرى هل هو في جبهة الإمام ام لا؟ هل هو تحت راية الإمام ام لا؟

في زيارة الناحية المقدسة: “وللحق ناصرا”.

صحيح ان غزة لا تشبه كربلاء نهائيا، لكن لابد ان اعرف جبهة الحق، وجبهة الباطل، فلا يصبح القاتل والمقتول سواسية، فأن تكون مع الحق تطلب منك موقف، وتضحية.

الإمام الحسين يمثل جبهة الحق، والانسان يجب ان يعرف نفسه في أي جبهة هو، مع الحق أم مع الباطل؟

صحيح ان غزة لا تشبه كربلاء نهائيا، لكن لابد ان اعرف جبهة الحق، وجبهة الباطل، فلا يصبح القاتل والمقتول سواسية، فأن تكون مع الحق تطلب منك موقف، وتضحية.

وشعارنا لابد ان يكون شعار علي الأكبر في المسير الى كربلاء، حين خفق عليه السلام وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول: “إنا لله وإنا إليه راجعون” والحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال: مم حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بني إني خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال له: يا أبت لا أراك الله سوءا، ألسنا على الحق؟ قال: بلى والله الذي مرجع العباد إليه، فقال: فإننا إذا ما نبالي أن نموت محقين”.

إذا اردنا نلتحق بالحسين فعلينا ان نثبت قدم صدق مع الحسين، وان نعطي للحسين ما يريده هو، لا ما نريده نحن، ونكون مع جبهة الحق دائما وابدا، حتى ظهورولي الله، صاحب العصر والزمان، عليه السلام.

(مقتبس من محاضرة لسماحة السيد مرتضى المدرسي حفظه الله)

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا