اقبل علينا شهر محرم حاملا العِبرة والعَبرة
كثيراً ما تختزل أهداف الثورات والنهضات وحركات التحرر والانعتاق التي تثار في وجه الظلم والجور والانحراف، في لون خاص ونمط معين من الأهداف والغايات التي تعلن عبر الشعارات المرفوعة والنداءات الموجهة، وتظهر من خلال ممارسات القائمين عليها وأفعال المتصدين لها.
وكثيراً ما تكون هذه الأهداف المعلنة أو المرفوعة محدودة من حيث الزمان والمكان، ومنصهرة بإطار نظرات وأفق تفكير من يرفعها، وهذا ما تفرضه الظروف الموضوعية المرتبطة بحدود إمكانات قادتها وأفق تصوراتهم، فتأتي أغلب هذه النهضات والانتفاضات – فيما لو نجحت – قليلة التأثير ومحدودة الفاعلية، لاسيما إذا ما تقادم عهدها وامتد بها عمود الزمان، فتظل حينئذ من ذكريات التاريخ وتراثه القديم التي لا تخلو من فائدة لمن اطلع عليها ودرس تاريخها.
أغلب النهضات والانتفاضات – فيما لو نجحت – قليلة التأثير ومحدودة الفاعلية، لاسيما إذا ما تقادم عهدها وامتد بها عمود الزمان، فتظل حينئذ من ذكريات التاريخ وتراثه القديم التي لا تخلو من فائدة
لكنَّ هذا التصور والانطباع السالف الذكر عن الثورات وحركات الرفض لا ينسحب أبداً على النهضة الحسينية المباركة التي قادها الإمام الحسين، عليه السلام، من حيث أهدافها ونتائجها ومعطياتها، وخروجها عن قيود الزمان والمكان، وهذا لا غرابة فيه؛ لأن قائد النهضة سامي المقام وعالي الهمة كجده النبي الأعظم محمد، صلى الله عليه وآله، كما قال الشاعر :
له همم لا منتهى لكبارها
وهمتها الصغرى أجل من الدهر
فمن يكون له همة، وهم في زمن غابت فية القيم، وتحكمت في الأهواء والمصالح، واصبح الاسلام وبقاءه على المحك.
طريق التضحية والاستشهاد
هناك من ينظر إلى القضية من نافذة أخرى، فيرى أن الإمام الحسين، عليه السلام، لم يكن له يد في تحقيق أهدافه العظيمة إلا ركوب الطريق الصعبة، وسلوك طريق التضحية والاستشهاد، “لأن الدنيا قد تغيرت وتتكرت، وأدبر معروفها.. حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالكلاء الوبيل”.
فيزيد بن معاوية لا يمتلك ما عند أبيه من سياسة المراوغة والطرق الملتوية، وإنما تغلب عليه الحماقة والغباء والغرور مع فقدانه الوازع الديني والأخلاقي، فقرر تصفية خصومه ومعارضيه جسديا فكتبا الى عامله على المدينة: فاذا اتاك كتابي هذا فعجّل عليَّ بجوابه، وبيّن لي في في كتابك كل من في طاعني، أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي”.
النهضة الحسينية المباركة التي قادها الإمام الحسين، عليه السلام، من حيث أهدافها ونتائجها ومعطياتها، وخروجها عن قيود الزمان والمكان، وهذا لا غرابة فيه؛ لأن قائد النهضة سامي المقام وعالي الهمة كجده النبي الأعظم محمد، صلى الله عليه وآله
كما كان لا يتواني في ارتكاب الفظائع والجرائم، وانتهاك الحرمات والمقدسات إذا ما حال ذلك دود تربعه على سدة الحكم هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن المجتمع الإسلامي قد جفت فيه القيم الإسلامية الأصيلة، و تغيرت فيه المفاهيم، فأضحى المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والشريف معداً مهمشا والدني مقرباً محترماً، كما وصف ذلك الإمام الحسين، عليه السلام: “ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه اليرغب المؤمن في لقاء ربه حقاً حقا. وفي قوله، عليه السلام” فإن السنة قد أميتت”.
مخطط الإمام، عليه السلام، ومن ورائه السماء، أن يقوم بعملية التغيير الشامل بتقديم نفسه وأهل بيته وأصحابه، قرابين على مذبح الإصلاح، وحملهُ عياله وثقله ليلاقوا أهوال السبي ويقاسوا أنواع المصائب، ذلك ليحدث هزة عنيفة تصعق وجدان الأمة، وصرخة مدوية تصك أذانها، لترجع عن غيها وتستفيق من غفلتها، وتلتفت إلى ما وصل إليه حالها.
فهذه الدموع التي ما انفكت من يوم الحادثة الى عصرنا الحالي هي من سقت شجرة الحرية التي سعى الظالمون والمتجبرين الى جفافها، فوصف محبي اهل البيت، عليه السلام، با الشعوب البكاءة.
فاليوم الظالمون يسعون لمنع تلك الدموع النقية بكل وسائل التشكيك، والشبهات حول الشعائر الحسينة، لكي لا تتجمع فتكون شلالا هادرا يقتلع الظلم والجور من جذوره.