حدیث الناس

أيام عاشوراء تدعونا الى خطوات سار عليها الامام الحسين

انطلقت المواكب والهيئات الحسينية بسواعد المؤمنين الحسينيين في تشييد التكايا على الطرقات والشوارع الرئيسية في كربلاء المقدسة لاستقبال أيام عشرة محرم الحرام بالحزن والبكاء، واستذكار مصاب الإمام الحسين، عليه السلام.

الناس تتشح بالسواد؛ من الملابس، مروراً بالجدران، ثم الرايات المرفوعة في كل مكان، وسائر مظاهر الحزن ليكون الجميع على موعد مع موعد الحزن على ما جرى يوم عاشوراء سنة 61 للهجرة، واذا حلّ عام 1461، سيكون قد مضى على الواقعة أربعة عشر قرناً بالتمام (ألف و اربعمائة سنة)، وهو رقم كبير وزمن طويل تخللته أجيال وعهود خبروا التجارب والعبر من النهضة الحسينية، وكلٌ أخذ بحجم استيعابه وفهمه للقضية.

وبعد هذا العمر المديد من النهضة الحسينية يجدر بنا فهماً عميقاً وكاملاً لما قام به الإمام الحسين، عليه السلام، من أول خطوة رفعها من بيته في مدينة جده رسول الله، ومروراً بأدائه مناسك الحج، وقطعه هذه المناسك متوجهاً الى كربلاء، وما جرى وحصل من مواقف وأحداث، ونحن في مدينة الحسين، عليه السلام؛ كربلاء المقدسة، والخطاب موجه الى العراقيين بوجه خاص، وهم – بنسبة كبيرة ــ ملتزمون بزيارة الامام الحسين طوال أيام السنة، فضلاً عن الزيارات المليونية الخاصة، ثم الى الاخوة المؤمنين في كل مكان بالعالم يحملون في قلوبهم حرارة المصاب، وعمق الولاء والحب للإمام الحسين، عليه السلام، مما يتوجّب علينا النظر بدقّة الى خطوات هذه المسيرة:

الايمان والإخلاص للقيم والمبادئ يتجاوز الانتماءات العرقية والقومية والجغرافية، فالإسلام ينظر الى البواطن وليس الى الظواهر عند مفترق الطريق بين الحق والباطل

  1. “مثلي لا يبايع مثله”.

أن لا نساوم الظالم والفاسد على الحق والفضيلة والقيم الأخلاقية، والدرس البليغ في الحوار الدائر بين الامام الحسين وبين والي يزيد في المدينة؛ سعيد بن العاص بحضور عتاة الأمويين؛ أن الموقف الشجاع يكسر شوكة الطرف المقابل مهما كانت قوته.

  • “خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة”.

استرخاص الحياة وملذاتها ومغرياتها؛ يمثل الخطوة الأولى في مسيرة الإصلاح والتغيير التي ينشدها الجميع، ومن دون تقديم تضحيات يبقى الإصلاح والتغيير مجرد كلمات وشعارات وأمنيات.

  • “اتخذوا الليل جَمَلا”

عبارة مجازية وبلاغية رائعة يستخدمها الامام الحسين في خطابه لمن بقي معه في قافلته من الاصحاب، بعد ان تفرّق عنه حوالي ألف شخص قبل وصوله كربلاء، بمعنى اغتنموا فرصة ظلام الليل ليحملكم بعيداً دون أن يراكم احداً، وذلك أعلن عن حلّ بيعتهم له، وأنهم غير مأثومين إن تركوا القافلة وذهبوا بعيداً الى حيث أمانهم وحياتهم العادية، فكان الجواب على هذه المساحة من الحرية الفكرية والثقافية من أولئك الثلّة المؤمنة والصفوة المخلصة أنهم لن يفارقوه حتى يقتلوا دونه.

بما كان يختلف هؤلاء الـ 73 شخصاً تقريباً، عن أولئك المنسحبين؟

علينا البحث عن الإجابة في نسبة المعرفة الموجودة بأهل البيت، وايضاً؛ برسول الله، وسيرته، وبالقرآن الكريم.

  • “جعلك الله من المصلّين”

وسط المعركة يشيد بأحد أصحابه، وهو أبو ثمامة الصيداوي الذي لاحظ ارتفاع الشمس وحلول وقت صلاة الظهر، وأدخل السرور والارتياح على قلب الإمام الحسين فدعا له بهذا الدعاء الخالد: “جعلك الله من المصلّين”، فالقتال ورشقات السهام، والحذر من هجموم الأعداء على المخيم في كل لحظة، لم يمنع الإمام الحسين من إقامة الصلاة الفريضة في وقتها، فلا مجال للتأجيل مطلقاً، لأنها “عمود الدين”، ومن أجل هذا الدين ضحّى الامام الحسين بنفسه وأهل بيته ليبقى حيّاً طريّاً يواكب الزمن الى يوم القيامة.

  • “يا أُخية! إني اقسم عليك فأبري قسمي، لا تشقي عليّ جيبا، ولا تخمشي على وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا انا هلكت”

ليس بالضرورة ان تكون هذه وصية لكتم مشاعر الحزن أخت على أخيها، ومن تكون الأخت، ومن يكون الأخ؟! بقدر ما نفهم منه الوصية تسليم قيادة المسيرة الى اخته زينب العقيلة لتحمل راية النهضة الحسينية في مرحلة ما بعد المعركة الساخنة، ولتكون مهمة العقيلة زينب في معركة الإعلام ونشر القيم التي ضحى من أجلها الامام الحسين.

ما هي مواصفات المرأة او الفتاة المؤمنة لتكون جديرة بحمل راية الإصلاح في أسرتها وبين صديقاتها، ثم بين افراد المجتمع، وعلى مختلف الصُعد؟

هل هي الميوعة والاستجابة سريعاً للرغبات النفسية، والميل للعاطفة الجارفة، والتأثّر بالاجواء والظروف؟ أم بمواصفات الحزم والجدّية أمام الرجال، والصبر على قلّة ذات اليد، وعدم التمتع بمظاهر الحياة، والتصدّي بقوة لكل ما ينال من شخصية المرأة ويحطّ من كرامتها وشخصيتها.

  • “اللهم بيض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع محمد، وعرف بينه وبين آل محمد”

هذا الدعاء للإمام الحسين حاز عليه عبدٌ اسود البشرة أبى إلا أن يكون من تلك الثلّة المؤمنة المخلصة التي شهد لها الامام الحسين بأن “لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي”، عندما سقط شهيداً في المعركة، فجاءه الامام، ووقف على رأسه، وهو يتذكر ما قاله هذا العبد البار لأهل بيت رسول الله، وقد رباه سيده؛ أبو ذر الغفاري على حب أهل البيت والدفاع عنهم حتى الموت، فقد قال للإمام عندما عرض على أصحابه الانسحاب من القافلة، كما ذكرنا آنفاً، وهو يبكي متوقعاً قرار الإمام بإبعاده: “يا ابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم، والله إن ريحي لنتن، وإن حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس علي بالجنة، فتطيب ريحي، ويشرف حسبي ويبيض لوني، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم أهل البيت”.

استرخاص الحياة وملذاتها ومغرياتها؛ يمثل الخطوة الأولى في مسيرة الإصلاح والتغيير التي ينشدها الجميع، ومن دون تقديم تضحيات يبقى الإصلاح والتغيير مجرد كلمات وشعارات وأمنيات

الايمان والإخلاص للقيم والمبادئ يتجاوز الانتماءات العرقية والقومية والجغرافية، فالاسلام ينظر الى البواطن وليس الى الظواهر عند مفترق الطريق بين الحق والباطل، بل حتى العناوين الاجتماعية السائدة، كالعلم والوجاهة والثراء، فربما يكون هنالك انساناً قليل التعليم وليس ابن عشيرة مرموقة، او قدم من منطقة نائية بالعالم، لكنه مؤمناً بالله –تعالى- ومخلصاً لقضية الامام الحسين ونهضته ورسالته، فهو الأقرب اليه، عليه السلام، من غيره مهما فعلوا وقالوا.

هذه بعض ما يمكن نتذكره من خطوات عديدة في مسيرة الامام الحسين، عليه السلام، وربما القارئ الحصيف يبحث اكثر فيجد ما يفيده في اجراء التطابق بينها وبين ما نحن عليه في حياتنا اليومية، مما نرجو ان تكون النتيجة نسبة لابأس بها من التطابق وتجسيد ما ضحى من اجله الامام الحسين وأهل بيته واصحابه.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا