عن النضر بن سويد، عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله، صلى الله عليه وآله، وكان سيدهم الأهتم والعاقب والسيد، وحضر صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس، وصلوا.
فقال أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وآله، يارسول الله هذا في مسجدك؟
فقال: دعوهم.
فلما فرغوا دَنَوا من رسول الله، صلى الله عليه وآله، فقالوا له: إلى ما تدعونا؟
فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن عيسى عبد مخلوق، يأكل ويشرب ويحدث.
قالوا: فمن أبوه؟
فنزل الوحي على رسول الله، صلى الله عليه وآله، فقط فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم، أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟
فسألهم النبي، صلى الله عليه وآله.
فقالوا: نعم.
فقال: فمن أبوه؟
فبهتوا وبقوا ساكتين.
آية المباهلة
من آيات الله تعالى التي أعلنت سمو أهل البيت، عليهم السلام، وعظيم منزلتهم عند الله قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}
أجمع المفسرون ورواة الحديث أن الآية الكريمة نزلت في أهل بيت النبوة ومعدن الرحمة، والمراد بالأبناء الحسن والحسين، عليهما السلام، سبطي الرحمة، وإمامي الهدى، والمراد بالنساء سيدة نساء العالمين الزهراء سلام الله عليها، وبالأنفس الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام.
نزلت الآية الكريمة في حادثة تأريخية بالغة الخطورة، جرت بين النبي، صلى الله عليه وآله، وزعماء النصاري الروحانيين، وموجز الحادثة أن وفدا من النصارى ضم زعماءهم قدموا على رسول الله، صلى الله عليه وآله، ليناظروه في الإسلام، وبعد حديث دار بينهما اتفقا على الابتهال إلى الله ــ تعالى ــ أن يحلَّ عذابه ولعنته على الكاذبين، وعينا وقا خاصاً للمباهلة.
ولما حان الوقت اختار النبي، صلى الله عليه وآله، للمباهلة أفضل الخلق عند الله وأكرمهم، وهم أهل بيته، عليهم السلام، وأقبل بهم إلى ساحة الابتهال، وخرج وفد النصارى.
فقال كبير النصارى وهو فزع :أفلا تنظرون محمداً رافعاً بديه ينظر ما تجيئان به، وحق المسيح إن نطق فوه بكلمة لا نرجع إلى أهل، ولا إلى مال.
إن الدروس المستوحاة من حادثة المباهلة، الاذعان للحق، وحسن المجادلة بين المتنازعين في الحق
ثم هتف بقومه ثانياً :ألا ترون الشمس قد تغير لونها، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة، والريح تهب هائجة سوداء حمراء، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان، لقد أطلَّ علينا العذاب، انظروا إلى الطير وهي تقيئ حواصلها، وإلى الشجر كيف تتساقط أوراقها، وإلى هذه الأرض كيف ترجف تحت أقدامنا. لقد أيقن الأسقف بهلاك النصارى، فمنع قومه من المباهلة، وصدهم عنها .
وبادر الوفد نحو النبي، صلى الله عليه وآله طالبين منه أن يعفوهم من المباهلة قائلين :يا أبا القاسم، أقلنا أقالك الله.
والتفت النبي، صلى الله عليه وآله، إلى جمع النصارى والمسلمين قائلاً: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَنَّ الْعَذَابَ تَدَلَّى عَلَى أَهْلِ تَجْرانَ، وَلَوْ لَاعَنُوا لَمُسِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَلَاضْطَرَمَ عَلَيْهِمُ الْوادِي ناراً، وَلاسْتَأْصَلَ اللهُ نَجْرَانَ وَأَهْلَهُ، حَتَّى الطَّيْرَ عَلَى الشَّجَرِ، وَما حالَ الْحَوْلُ عَلَى النَّصَارَى كُلِّهِمْ”.
وهكذا خضعوا لما اشترطه النبي، صلى الله عليه وآله، وقفلوا راجعين إلى وطنهم وقلوبهم مترعة بكرامة اهل البيت، عليهم السلام، وعظيم منزلهم عند الله ــ تعالى ــ.
هذه بعض الآيات التي أعلنت سمو منزلة أهل البيت عند الله ــ تعالى ــ، فقد عناهم الله تعالى بهذا الفضل، وخصَّهم بهذه الكرامة، فهم من مصادر النور، ومن منابع الفضيلة والتقوى في دنيا الإسلام .
فهل تتعظ عصاة هذه الأمة والمشككين بأحقية اهل البيت، عليهم السلام، ويذعنون مثل ما اذعن اهل نجران؟ هيهات بل رآن على قلوبهم .
إن الدروس المستوحات من حادثة المباهلة، الاذعان للحق، وحسن المجادلة بين المتنازعين في الحق.
فهذا هو الدرس واللاسف الشديد الذي يفتقده الاخوة في دين الواحد والقرآن الواحد والقبلة الواحدة.