لكل مرحلة عمرية صفات وسمات شخصية تميزها عن المراحل الأخرى، فمرحلة الطفولة لها العديد من المميزات، وهنالك حد فاصل بينها وبين مرحلة المراهقة، وكذلك فهي قد لا تنتمي للشباب، إذ لكل حقبة زمنية مقومات وعادات تصبح بمثابة الهوية لهذه المرحلة.
في مرحلة الشباب قد يتهم بعض الأشخاص بالتخلي عن بعض العادات والممارسات، وقد يبتعد كثيرا عن الأصدقاء بحكم المسؤوليات الجديدة وخصوصا بالنسبة للشباب، فكثيرا ما يقعون ضحية هذه الاتهامات، وقد تؤدي هذه الاتهامات الى قطع الصلة وانتهاء بعض الصداقات لاسيما بعد القبول بعمل جديد او وظيفة تحتم عليه الانشغال أكثر من السابق.
وهنا يطفوا الى السطح تساؤل مُلِح، لماذا نصبح عرضة لفقدان او تقلص الصداقات بعد حصولنا على عمل او وظيفة جديدة؟
وكيف نحافظ على علاقاتنا؟
الانسان بطبعه كائن اجتماعي تربطه بمحيطه الكثير من الروابط، فتارة تكون هذه الروابط اسرية، وتارة أخرى اجتماعية، وأخرى دينية وقومية وهكذا بقية الروابط الي تجعل من الانسان ملتزم بشكل او بآخر بهذه العلاقات ويحاول ألا يحيد عنها، لكن ربما يحصل نوع من التباعد في اللقاءات المعتادة عقدها في المقاهي والأماكن العامة الأخرى، وبهذا يكون الفرد بحالة حرجة من اجل تحقيق التوازن بين العائلة والالتزامات الاجتماعية.
الزواج يغيّر الكثير من العادات والممارسات التي يقوم بها الفرد، ويجعله يتخلى عن الكثير من الأشياء
وقد ينظر الى الزواج بأنه من بين أهم الأسباب التي تؤدي الى فقدان الصداقات او تأثرها، لكن هذه النظرة تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف والعادات والقيم التي تحكم مجتمعاتنا الإسلامية، فالزواج وفق المنظور الإسلامي هو وسيلة من وسائل تقوية الاواصر الاجتماعية، وبالتأكيد الارتباط بزوجة يترب عليه تبادل زيارات وحضور مناسبات اجتماعية كالفرح والحزن وغيرها من الأمور التي أي ضمن تعزيز الوشائج بين الاسر.
ويفنّد هذا القول النظرة السائدة لدى المجتمعات الأخرى التي ترى في الزواج قيد من القيود المقيدة للفرد وتمنعه من التحرك بحرية مطلقة مقارنة بأيام العزوبية وقبل الدخول لعش الزوجية، وهنا لا نريد ان ننسف النتائج المترتبة على الزواج في المجتمعات الأخرى وعلى سبيل المثال الاوربية، وربما يكون الزواج هكذا لكن من غير الصواب ان نعكس او نعمم هذه النتائج على المجتمعات الإسلامية.
نعم؛ ان الزواج يغيّر الكثير من العادات والممارسات التي يقوم بها الفرد، ويجعله يتخلى عن الكثير من الأشياء، كأن يكون يفضل الجلوس أوقات الراحة في المنزل ولا يريد الخروج كما في السابق مع الأصدقاء ويقضي ساعات طويلة في الكافيهات، فالأسرة أولى وأحق بهذا الوقت، لاسيما وانه عائد من وقت عمل امتد من الصباح الى ما بعد الظهر.
الصداقات القابلة للخسران هي القائمة بين اشخاص لا يقدّر طرف من أطرافها انشغال الطرف الآخر والتزامات حياته المتزايدة، وبعد هذا الانشغال المتزايد تظهر بوادر الخلافات بين هذا النوع من الأصدقاء الذين تتسم صدقاتهم بنوع من الهشاشة ولا تمتد جذورها الى الأعماق.
حياة العزوبية مقابل الحياة الزوجية لا يمكن إخضاعها الى اي صورة من صور المقارنة البسيطة، إذ نجد الكثير من الاختلافات فيما بينهم، وقد لوحظ وبشكل جلي، ان بعض الأشخاص الانطوائيين قبل ارتباطهم بشريك الحياة، قد تحولوا الى اشخاص اجتماعيين ومنخرطين في الفعاليات الاجتماعية، وهذا خير دليل على ان الزواج له وقعه الخاص على شخصية الفرد.
فهو يؤثر وبشكل كبير على الجوانب النفسية للفرد، فربما شعوره بالوحدة دون شريك الحياة يجعله يمر بأزمة نفسية تفرض عليه البقاء في المنزل ولا يرغب الخروج مع الأصدقاء ومشاركة الأقارب في جميع المناسبات الدينية والاجتماعية، وقد يؤدي الزواج الى توفير المزيد من الوقت ويتم تعويضه مع الاهل بدلا من الأصدقاء.
وطبعا هذا لا يعني ان المتزوج ينقطع بشكل تام وكامل عن الخروج والتفاعل مع الاقران، وهنا لابد من إيجاد نوع من الموازنة الفعلية بين الحالتين، بما لا يؤثر على العلاقات الاجتماعية، وبما يدفع عنه الكثير من الاتهامات من قبيل ان الشخص تغيرت طباعه وتصرفاته بعد الزواج، وانه في السابق كان أكثر انسجاما مع الافراد.
المتزوجون ولديهم أطفال من غير المعقول ان تكون حياتهم اشبه بحياة الشخص الاعزب، فالوالدان ينجرفون تدريجيا مع الأبناء ويأخذون بالابتعاد عن اصدقائهم، فمساحات الاهتمام في الأبناء تبدأ بالازدياد يقابلها تناقص منطقي في المساحة المخصصة لمشاركة الأصدقاء اوقاتهم وخروجهم المعتاد.
أسباب التغيير النسبي في حياة الفرد:
أوضحت دراسات علمية اخرى أن صورة الحياة الشخصية تشهد تغييرات عميقة بعد الارتباط، وبالتالي يتغير تركيز وأهداف الشخص كليا، فبدلا من أن يكون شخصا حرا يتمتع بعلاقات مع عدد من الأصدقاء، يصبح جزءا من كينونة جديدة وهي “الزوجان معا”.
وكذلك ضيق الوقت وقلة الجهد الفائض، فالإنسان لا يملك سوى 24 ساعة فقط في يومه، وبالتالي فإن علاقات الصداقة تتعرض لضرر بالغ، بسبب استحواذ أساسيات الحياة الجديدة للمتزوجين على جلِّ أوقاتهم.
فالارتباط بالوظيفة والأولاد والالتزامات الأسرية الجديدة تستلزم قضاء الوقت مع شركاء الحياة، ناهيك عن الوقت الذي يستغرقه قضاء الواجبات المنزلية والتنظيف والطهي وما إلى ذلك، يتفاجأ كثيرون بعدم وجود ما يكفي من الوقت أو الجهد لقضائه مع الأصدقاء كما جرت العادة قبل الزواج.
في الوقت نفسه، قد يبدأ الزوجان في إحلال علاقاتهم السابقة بأخرى مشتركة جديدة مع أصدقاء آخرين يمكن قضاء الوقت معهم بشكل جماعي، الأمر الذي يقلل بدوره من مساحة التلاقي التي تجمع المتزوجين بأصدقائهم القدامى، خاصة من غير المتزوجين.
الطريق الأمثل للتوفيق بين العلاقات الاجتماعية
يُعد الجمع بين علاقات الصداقة من جانب وتطوير العلاقة الزوجية من جانب آخر أمرا بالغ الأهمية، ويتطلب الكثير من الجهد، وإذا ما أُضيف أطفال إلى المعادلة، سيكون الأمر أكثر صعوبة بكثير، لكن التعامل بالطريقة الصحيحة من شأنه مساعدتك في الحفاظ على صداقاتك، وأيضا تطوير وتعميق علاقتك الزوجية.
ويمكن ذلك من خلال:
- الاستعداد لتقبُّل التغيير: إذ يمكن للفرد أن يتفاعل مع التغيير بطريقة مختلفة، ففي الوقت الذي قد تصبح فيه بعض صداقاتك أقوى بعد الزواج، فإن أخرى قد تتبدد، قد لا يتأقلم بعض الأصدقاء معك، وقد يختارون خلق مسافة بينكما، وهي عادة علامة على أنهم غير مستعدين أو راغبين أو قادرين على التكيف مع احتياجاتك وتوقعاتك الجديدة.
- بذل المزيد من الجهد للحفاظ على صداقاتك: في هذه المرحلة من حياتك، وإذا كنت معتادا على تحقيق التوازن بين حياتك الشخصية وأصدقائك، بعد الزواج، قد يستغرق شريك حياتك الجديد مزيدا من الوقت، لذلك سيصبح من الضروري بذل المزيد من الاهتمام والجهد لرؤية أصدقائك.
الصداقات القابلة للخسران هي القائمة بين اشخاص لا يقدّر طرف من أطرافها انشغال الطرف الآخر والتزامات حياته المتزايدة
فبمجرد أن تتزوج، فإنك تقضي تقريبا كلَّ ثانية من وقت استيقاظك (غير المرتبط بالعمل) مع شريك الحياة الذي أصبح الآن الأولوية الرئيسية لك، لذلك فإن الحفاظ على الصداقات يتطلب الاهتمام والرغبة في المقام الأول لإيجاد الفرصة.
وهذا يعني جدولة الوقت معا مسبقا، وتوضيح التزاماتك وحدود وقتك للأصدقاء المهمين، بالإضافة إلى مناقشة استراتيجياتك مع شريك حياتك للحفاظ على صداقات المهمة ومنحها الاهتمام المناسب من حياتك بشكلها الجديد والتزاماتها الجديدة.
- المحادثات الرقمية: قد تكون خيارك الأمثل وحتى لو كان لديك وقت محدود لرؤية صديقك، أو ربما ليس لديك وقت على الإطلاق، فلا يوجد سبب للتخلي عن الصداقة تماما. كل ما يتعين عليك فعله فقط هو التواصل عبر الرسائل النصية أو شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة. خاصة إذا كان لديك أطفال يستحوذون على معظم وقتك وجهدك.