مناسبات

وقفة غديرية

قال تعالى:  {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}. (سورة آل عمران:97).   

في السنة العاشرة للهجرة الموافق 632 للميلاد وعندما حجَّ الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، حجته الأخيرة مع جموع غفيرة من المسلمين لم تكن مجرد حجة، بل كانت تتضمن أسرار إلهية غاية في الأهمية .

تَوقُفْ الرسول، صلى الله عليه وآله، في ذلك المكان الذي اقل ما يوصف بأنه مستنقع شديد الحرارة من يبقى به لعدة ساعات يصاب بالحمى، حتى قيل ان الرجل كان يضع ردائه ع راسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء وفي ارض وعرة مليئة بالأشواك ما هو إلا تبليغ امر ربه المستعجل بلهجة شديدة وأمر مباشر: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}. (سورة المائدة:67).

فأرتقى الرسول، صلى الله عليه وآله، منبراً من أكوار الإبل وخطب خطبته المشهورة يوم الغدير وعندما اكمل اخذ بيد علي، عليه السلام، ورفعها عالياً حتى بان بياض ابطيهما وكأنه صلى الله عليه وآله، أراد من الناس معرفة ما لهذه اليد من فضل لخدمة الإسلام  

أهمية الاحتفال بعيد الغدير تكمن بمشاركة الفرحة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}

رفعها عالياً كما كان يرفعها صاحبها، عليه السلام، بعد كل معركة مشيراً لرسول الله، صلى الله عليه وآله، بالنصر، وكما حطَّم بها كبرياء أمة الكفر قبل تحطيم أصنامهم وتطهير بيت الله منها، يده التي لم تبخل لمسكينٍ بخاتمها، فكم من عطاء كثير قدمته تلك اليد المباركة.

فكان عطاء الله اكبر فكرمها خالقها حين ضمها بيد رسوله لتتناغم الرسالة مع الولاية لتُتَوج اعظم شخصية بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله، بالإمامة وصدى صوته، صلى الله عليه وآله، يصدح في غدير خم: “ألا من كنت مولاه فعليٌ مولاه اللهم وال من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله”.

فتهافت عليه جموع الناس فبايعوه على الخلافة والإمامة وإتمام لرسالة السماء، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. (سورة المائدة:3).

أهمية الاحتفال بعيد الغدير تكمن بمشاركة الفرحة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}. (سورة الحج: 32).

وأيُ تعظيمٍ لأسمى شعيرة في هذا اليوم المبارك الذي اهتم به رسول الله، صلى الله عليه وآله، أشد اهتمام، فكان، صلى الله عليه وآله، يهيئ الناس لهذا اليوم من بداية الإسلام بإظهار فضائل الامام علي، عليه السلام، كلما سمحت له الفرصة بذلك بأحاديث كثيرة ومواقف تناقلها المحبون له والمبغضون، إلى ان جاء امر ربه فنطق، صلى الله عليه وآله، بلسان السماء بفرحة كبيرة غمرت قلبه، صلى الله عليه وآله، وهو يرى رسالته الخاتمة للرسل وضعها بأيدي امينة ويكمل مسيرته من بعده لخدمة الاسلام والمسلمين.

حين قال، صلى الله عليه وآله:  “الله اكبر على اكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الرب سبحانه وتعالى برسالتي إليكم والولاية لعلي ابن ابي طالب”، فالاحتفال بهذا اليوم لا ينتقص من اي صحابي ولا يضر اي شخصية من بدء الخليقة إلى يومنا هذا فهو تكريم لشخصية اختارها الله وتوجها بالولاية.

ولا عجب عندما انزل الله ــ تعالى ــ على الحواريين مائدة من السماء لإشباعهم جعلوا من هذا اليوم عيداً لهم، فما بالكم بيومٍ انزل الله ــ تعالى ــ به مائدة لإشباع العقل فأشبعت بذلك كل أبعاد حياتنا، واهتم الائمة، عليهم السلام، ايضاً بعيد الغدير، من خلال التأكيد على ضرورة إظهار الفرحة بهذا اليوم، قال الامام الصادق، عليه السلام: “الثامن عشر من ذي الحجة عيد الله الأكبر ما طلعت عليه شمس في يوم افضل عند الله منه وهو الذي اكمل الله فيه دينه لخلقه وأتم نعمه ورضي لهم الإسلام دينا”.

فمن البديهي ان يكون الاحتفال بهذا اليوم ومشاركة الفرحة مع رسول الله، صلى الله عليه وآله، وال بيته الأطهار، عليه السلام، بعيد الله الأكبر له ميزة ولمسة خاصة مختلفة عن غيره من الأعياد الاسلامية.

دروس من واقعة الغدير

بلا شك هكذا حادثة مهمة في التاريخ الإسلامي تضمنت عدة دروس وعبر مهمة، أهمها هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، من خلال تنصيب الامام علي، عليه السلام، وضع الرسول، صلى الله عليه وآله، بذلك شروطا ومؤهلاتٍ مهمة يجب توفرها لدى الحاكم الإسلامي على مر الأزمان، وان يكون شخصاً قريباً من صفات الامام علي، عليه السلام.

لذا فمن لا يمتلك هذه الصفات من الدِين والعلم الإسلامي، والحلم والعفو، والتواضع وغيرها من الصفات، فلا يصح له ان يكون حاكماً إسلاميا.

وايضاً لبيان فضائل الامام علي، عليه السلام، فالرسول، صلى الله عليه وآله، سلّط كل امكانياته لغرض إيصال واقعة الغدير بنصها للناس اجمع، لذا فهي من اصح الحوادث في التاريخ الإسلامي ولدى كل المذاهب.

فلقد استعمل، صلى الله عليه وآله، وسائل إعلامية عظيمة من خلال توقفهُ في ذلك المكان في يوم شديد الحرارة ماهي إلا دلالة ع أهمية التبليغ ولكي يبقى هذا اليوم عالقاً في اذهان الناس، وقف على مرتفع ليراه ويسمعه الجميع والقى خطبته المشهورة يوم الغدير ذكر بها مناقب للإمام علي، عليه السلام، وحين انتهى من تبليغ امر ربه قال، صلى الله عليه وآله: “ألا فليبلغ الحاضر منكم الغائب”.

فمن لا يمتلك هذه الصفات من الدِين والعلم الإسلامي، والحلم والعفو، والتواضع وغيرها من الصفات، فلا يصح له ان يكون حاكماً إسلاميا

والمضحك من هذا عندما نجد البعض من أصحاب الفكر المريض ممن ينادون، بل ويقضون حياتهم من اجل تكذيب خبر الولاية وان الرسول صلى الله عليه وآله، حين قال: “من كنت مولاه فعلي مولاه” يعني بهذا من كنت ناصره فعلي ناصره!

فأي عقل يقبل بهذه الترهات؟

 عجيب هذا الحقد والغل في قلوبهم لتلك الشخصية الضخمة لذلك الرجل الذي وظف كل ذرة في جسده لخدمة الإسلام، ولا يضر أبا الحسن، عليه السلام، او ينفعه شيء من هذا كله بل نحن والله المحتاجين اليه في الدنيا والآخرة، ورغم أنوفهم يبقى علياً ألقاً في النفوس وفكرة وموقف للأحرار.

عن المؤلف

نور علي عمران

اترك تعليقا