ليست هذه الشبهة هي الأولى في محاولات طمس حقيقة هي أبين من الشمس لمن ألقى السمع وهو شهيد، لكنّها تقول إن للمسلمين عيدُ فطرٍ و أضحى فقط ولا ثالث لهما، ولم نجد أن علياً، عليه السلام، قد احتفل بعيد الغدير الذي تحتفلون به، فلماذا تحتفلون وتظهرون السرور في هذا اليوم؟
والإجابة عن ذلك بعدة أمور:
أولاً: طلب النبي عيسى، عليه السلام، من الله أن ينزل مائدة من السماء، ليكون ذلك اليوم عيداً لهم، كما قال تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ}، فهل نزول المائدة من السماء أعظم شأنا وأهم من يوم إكمال الدين وإنزال نعمة الولاية والهداية؟
الجهل بالتاريخ ومجرياته قد يكون سبباً في انتشار مثل هذه الشبهات، فعليٌّ، عليه السلام، والأئمة كانوا في مقام تذكير الناس بالغدير، فلم تكن الفرصة متاحة للاحتفال بهذا العيد
ثانياً: يحتفل الناس بيوم الانتصار، أليس الله ــ تعالى ــ قال: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ}، وأيّ نصرٍ أعظم من أن يعلن النبي إكمال مهمته في الانتصار على جبهة الشرك، وتدعيم قواعد الإسلام، والذي ورد في الحديث عن الإمام الصادق، عليه السلام: “إِنَّ إِبْلِيسَ عَدُوُّ اللَّهِ رَنَّ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ: يَوْمَ لُعِنَ، وَ يَوْمَ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَيَوْمَ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ يَوْمَ الْغَدِيرِ”.
ثالثاً: في الحديث عن الإمام الصادق، عليه السلام، أن هذا اليوم هو أعظم عيد، كما قال، عليه السلام: “وَيَوْمُ الْغَدِيرِ أَفْضَلُ الْأَعْيَادِ، وَهُوَ الثَامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّة”، وقد وردت أحاديث عندنا في فضل هذا اليوم، وضرورة الاهتمام به، وإظهار الفرح والسرور فيه، والعجيب أن بعض من يشكل على هذا العيد اليوم، هو الذي يحتفل برأس السنة ويعده عيداً، بل ويحتفل مع النصارى في رأس سنتهم، ويحتفل في وطنه باحتفالاته الوطنية!
أخيراً: الجهل بالتاريخ ومجرياته قد يكون سبباً في انتشار مثل هذه الشبهات، فعليٌّ، عليه السلام، والأئمة كانوا في مقام تذكير الناس بالغدير، فلم تكن الفرصة متاحة للاحتفال بهذا العيد، ومع ذلك فإن الشيخ الطوسي في “مصباح المتهجد”، وللسيد علي بن طاووس، رووا عن الإمام الرضا، عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام: “أنّه اتَّفَقَ فِي بَعْضِ سِنِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عليه السلام، الْجُمُعَةُ وَ الْغَدِيرُ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ عَلَى خَمْسِ سَاعَاتٍ مِنْ نَهَارِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ حَمْداً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ”، ثمَّ بدأ الإمام ببيان فضل هذا اليوم وأهميّته وقال فيما قال فيه: “إِنَّ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ فِيهِ وَقَعَ الْفَرَجُ وَرُفِعَتِ الدَّرَجُ وَوَضَحَتِ الْحُجَجُ وَهُوَ يَوْمُ الْإِيضَاحِ وَالْإِفْصَاحِ عَنِ الْمَقَامِ الصُّرَاحِ وَيَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ وَيَوْمُ الْعَهْدِ الْمَعْهُودِ وَيَوْمُ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ وَيَوْمُ تِبْيَانِ الْعُقُودِ عَنِ النِّفَاقِ وَالْجُحُودِ وَيَوْمُ الْبَيَانِ عَن حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَيَوْمُ دَحْرِ الشَّيْطَانِ وَيَوْمُ الْبُرْهَانِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ”.
وكان هذا بعد خلافة الإمام الظاهرية بثلاث سنوات تقريباً إذ كانت الفرصة مناسبة لإعلان هذا اليوم يوم عيد وسرور.