قال ــ تعالى ــ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
هل للانبياء امتداد فيما بعدهم، حينما يرسل الله نبيا من الانبياء يرسله من البشر، يولدون كما يولد الناس، ثم يموتون، فهل ارتباط السماء بالارض ينقطع بموتهم؟
وهل يترك الناس من دون إمام يهديهم سواء السبيل؟
وهل الانبياء كان لهم اوصياء؟
وهل للدِين من نظام ومنهج يتربط بمسألة الحاكم والمحكوم؟
في القرآن الكريم نجد اصطلاحات كثيرة لمصطلح الولي؛ كالخليفة، والولي، واولياء الله، وايضا مصطلح الإمام، قال ــ تعالى ــ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
وقال ــ تعالى ــ: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}، هذه الآيات وغيرها تشير الى تلك المصطلحات، وفي اكثر من آية هنالك اشارة الى كلمة خليفة الله، وليس خليفة الناس.
هذه الحادثة قسّمت الأمة كما لم تقسمها أي حادثة أخرى، ألا تستحق من المسلمين ان يدرسوها ويبحثوا عنها، ويكتشفوا الحقيقة فيها، لكن المسلمين ــ مع الأسف الشديد ــ تركوا هذه الحادثة العظيمة
نحن نعتقد ان الدين الإسلامي كامل وليس ناقصا، حتى يأتي مزاح الحاكم ويكمله كما يريد، ونعتقد أيضا ان نبينا لم يكن بدعا من الرسل، فإذا كان آدم اول الخلق، ولم تكن له أمة، والصراع الذي حدث بين ابني آدم إنما هو على وصية أبيهم، أي منذ بداية الخليقة، حينما كان الله يبعث نبيا كان يعين ــ الله ــ له وصيا يرتبط بدين لله، ومصير الناس دنيويا وأخرويا.
أول خلاف وقع هو حول وصية آدم، ومنها سقط اول شهيد هو هابيل الذي رفضه وقتله قابيل، ولم يقبل به، وكذا بقية الأنبياء كان لديهم اوصياء، والوصي كان يُعين من قبل الله.
موسى بن عمران، عليه السلام، حينما أراد ان يكون معه هارون طلب من الله ان يعينه، فليس من حق ان الناس ان يعينوا خليفة لنبي من الأنبياء، وموسى النبي العظيم لم يعيّن خليفته هو، وإنما الله هو الذي عيّن هارون وصيا له.
حادثة الغدير وانقسام الأمة
حادثة عظيمة وقعت في تاريخ الامة الإسلامية، ذلك ان النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، في حجته الرسمية الوحيدة (حجة الوداع)، وفي رجعته في منطقة غدير خم ونزلت عليه تلك الآية المشهورة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
هذه الحادثة قسّمت الأمة كما لم تقسمها أي حادثة أخرى، ألا تستحق من المسلمين ان يدرسوها ويبحثوا عنها، ويكتشفوا الحقيقة فيها، لكن المسلمين ــ مع الأسف الشديد ــ تركوا هذه الحادثة العظيمة.
هذه الحادثة لا زالت تقسم الى الامة الى قسمين الى الآن، لان هنالك من يقول: ان النبي عيّن وصيه، واخذ البيع من الناس لوصيه، وهنالك من ينكر ذلك ويقول: ان النبي لم يوصِ!
لذا لابد ان من البحث عن حقيقة الغدير ولا يجب اخذ الكلام من افواه الرجال لانهم يكذبون، لان هناك من شابههم وكذب على رسول الله في حياته، والنبي أشار الى ذلك في حياته: “ستكثر عليَّ الكذّابة”.
آخر سورة وبإجماع المسلمين هي سورة المائدة والتي وردت فيها الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ}
وهنا أمر صريح للرسول كونه رسول من الله، ومع الامر الصريح تهديد أيضا: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، والنبي بعد هذه الآية لم يبلغ أي شيء من أحكام الدين؛ من صلاة، وصوم، وزكاة وما اشبه، فكل الدِين قد بلغه قبل هذه الآية إلا الولاية.
صفة الرسالة مـأخوذة بالحديث عن النبي، فبصفة النبي رسول يبلغ الولاية، {مِنْ رَبِّكَ} وبصفة ان الله هو ربكم يعني ان التبيلغ ايضا امر ربوبي، وذكر ــ تعالى ــ ربوبيته في الآية المباركة.
قضية التبليغ للولاية ترتبط بجوهر الدين ولكل مفردة من مفرداته، لأنه بدون الولاية، الصلاة ليس صلاة، وكذا الحج، والصوم..، بدليل الآية الكريمة ان النبي لو لم يبلغ الولاية فكأنه لم يبلغ الرسالة كلها.
والذين وصلهم بلاغ الولاية ولم يلتزموا به لم يأخذوا برسالة رسول، لا في صلاة، ولا في صيام والى بقية الأمور العبادية الأخرى.
{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} لأنه هنالك أناس لم يقبلوا وهذه سنة الأنبياء من قبل، فحين موسى هارون، ثار الناس على هارون، مع ان موسى لا يزال حيا ولم يغب عنهم سوى أربعين يوما، ومع كل المعجزات التي قدمها موسى إلا انهم عبدوا العجل وتركوا النبي!
{إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} وهنا خطاب صريح بتهديد ان الناس إذا لم يقبلوا بالولاية فهم من الكافرين.
إكمال الدِين بالولاية
وفي سورة المائدة أيضا قال ــ تعالى ــ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} الدين بُلّغ لكنه لم يكن كاملا إلا بعد تبليغ الولاية، ونحن في اعناقنا هذه الولاية، إذ أن الله اخذ منا في عالم الذر؛ شهادة ان لا إله إلا الله، وان محمدا رسول الله، واخذ منا البيعة لعلي وانه ولي الله وأمير المؤمنين.
قضية التبليغ للولاية ترتبط بجوهر الدين ولكل مفردة من مفرداته، لأنه بدون الولاية، الصلاة ليس صلاة، وكذا الحج، والصوم..، بدليل الآية الكريمة ان النبي لو لم يبلغ الولاية فكأنه لم يبلغ الرسالة كلها
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الأنبياء لا يريدون الدنيا ومن يجلس على كرسي، وإنما همهم الأول الدِين، لذلك النبي لا مصلحة له في الدنيا: “لا يقولون قائل عين رسول الله ابن عمه” فموسى عين هارون، فهل بكونه اخاه؟
{وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الله ــ تعالى ــ انعم علينا بكثير من النعم، فكل خلية في جسمنا نعمة إلهية، وكذا كل نَفَس، وكل لحظة وجود نعمة، وما أكثر نعم الله علينا، والكريم لم يمن علينا بشيء يرتبط بالدنيا، لكنه تعالى يمنُّ لنعمة واحدة: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} إذ جميع النعم نقم بدون هذه نعمة الهداية، فما قيمة الوجود، وما قيمة نعم الاكل، والشرب والنكاح…، بدون نعمة الهداية؟
{وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} رضا الله ان يقبل الانسان جميع الدين غير منقوص، فلا يصح ان تصلي وتترك الصوم، وان تحج ولا تقبل بالولاية، فالدين شيء كامل لا يقبل الا كاملا، ويجب ان لا يكون الانسان ممن:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}.
الإسلام جاء بنظام اجتماعي كامل بما في ذلك شروط الحاكم التي منها ان يكون أعلم الناس واكثرهم التزاما، وهذا ما نجده في النبي الاكرم، صلى الله صلى الله عليه وآله، ونستطيع ان نطلق على ذلك (الوحي والعصمة)، ونرى في الائمة علم الامامة المأخوذ من رسول الله، و (العصمة).
وكذلك نرى في يتبع الائمة العلم والعدالة وهو ما يعرف اليوم عند مراجع الدين، وهذا هو الذي ينسجم مع الدِين الكامل الذي أراه الله ــ تعالى ــ.
___
(مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرّسي حفظه الله).