أدب

العيد ودَوْر الأمة الإسلامية في رؤى الشعراء

لقد جعل الله الأعياد لكي يشعر المسلم المؤمن الخالصة أعماله لله الواحد الأحد بالفرح والرضى والقناعة، العيد هو الالتزام والإخلاص والتقارب والمحبة بين الناس، العيد هو غفران الله لعباده المؤمنين التائبين، هو مساعدة الآخرين والاطلاع على أحوالهم وقضاء حوائجهم والسعي الدائم لإنقاذ ما يمكن انقاذه من المضطهدين والدفاع عنهم وتفعيل دور المسلمين للوقوف الى جانب الرازحين تحت قهر وقمع الحكومات  أو تحت سطوة الاحتلال كالفلسطينيين، وقد كتب عدد من الشعراء وفق رؤاهم الخاصة التي جسدوا بواسطتها في نصوصهم الشعرية هذه المعاني المهمة منهم: الشاعر السيد مصطفى جمال الدين رحمه الله في قصيدة له:

هـذا هـو العيـدُ، أيـنَ الأهـلُ والفـرحُ
ضاقـتْ بهِ النَّفْسُ، أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟!
وأيـنَ أحبابُنـا ضـاعـتْ مـلامحُـهـم
مَـنْ في البلاد بقي منهم، ومن نزحوا؟

وفي نص آخر يقول الشاعر:

يا عيدُ عرِّجْ فقد طالَ الظّما وجَفَتْ

 تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبـا
يا عيدُ عُدنْـا أعِدْنا للذي فرِحَتْ

 به الصغيراتُ من أحلامنا فخبـا

مَنْ غيّبَ الضحكةَ البيضاءَ من غَدِنا

 مَنْ فَـرَّ بالفرحِ السهرانِ مَنْ هَربَا

لم يبقَ من عيدنا إلا الذي تَرَكَتْ

 لنا يـداهُ ومـا أعطى وما وَهَبـا

يصوّر الشاعر السيد مصطفى جمال الدين الفراغ الذي تعيشه الامة بغياب الهمة الحقيقية، وغياب الداعمين المخلصين متسائلا عنهم وعن الخنوع المستدام الذي ينخر في الأمة الإسلامية، فلم يبقَ سوى اليد التي لا تعطي  ولا توهب.

و هناك من  الشعراء قضوا أعواما داخل السجون محرومين من أهاليهم وأولادهم، يأتي عيد بعد عيد وهم خلف القضبان، فيشتعل فيهم الشوق والحنين؛ ومن هؤلاء الشعراء الشاعر الليبي عمرو خليفة النامي حيث كتب قصيدة (يا ليلة العيد) وهو في سجنه، إذ جسّد معاناته  للظلم والطغيان، برؤاه وخياله مستحضراً أطفاله  وهم على شوق وانتظار له في ليلة العيد، فكيف تكون فرحتهم بالعيد وآباؤهم  في زنازينهم مقيدون:

يا ليلة العيد كم أقررت مضطربًـا     

لكن حظي كان الحــزن والأرق
أكاد أبصرهم والدمع يطفر مـن        

أجفانهم ودعاء الحـب يختنـق

يا عيد، يا فرحة الأطفال ما صنعت   

أطفالنا نحن والأقفـال تنغلـق
ما كنت أحسب أن العيد يطرقنا       

والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق

أما الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي فيقول في قصيدته (عندما يحزن العيد) وهو يرثي أحوال  الأمة الإسلامية بما يرى من  معاناة وتأخر نتيجة للفرقة والهوان والمكائد والمؤامرات التي ينفذها الغرب ويستسلم لها العملاء:

من أين والمسجد الأقصى محطمة

آمالـه وفؤاد القـدس ولهـانُ؟
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي
دروبنا جدر قامـت وكثبـان؟

وتصوّر الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان وضع أخواتها اللاجئات الفلسطينيات وهنَّ بين الخيام يعشن المآسي الكبيرة الخانقة و آلام التشرد واللجوء في يوم العيد فتقول الشاعرة :

أختاه, هذا العيد رفَّ سناه في روح الوجودْ
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدْ
وأراك ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقيًّا
متهالكاً, يطوي وراء جموده ألماً عتيًّا
يرنو إلى اللاشيء.. منسرحاً مع الأفق البعيدْ

ويصدح صوت الشاعرة البطولي وهي تؤكد الحقيقة الُمرَّة في أن  العيد ليس لهم، إنما هو للذين لم تحركهم مأساة أخواتهم المشردات في الخيام المطاردات على الحدود في كل مكان هؤلاء، الذين يحتفلون بالعيد ويفرحون به دون شعور بهذه المآسي ودون غيرة أو ضمير يتحرك إنهم دون احساس وتصور العيد هذا بأنه عيد للميتين الذين لا يهمهم شيء سوى الحفاظ على عروشهم الهاوية:

أختاه, هذا العيد عيد المترفين الهانئِين
عيد الألى بقصورهم وبروجهم متنعمين
عيد الألى لا العار حرّكهم, ولا ذلّ المصيرْ
فكأنهم جثث هناك بلا حياة أو شعورْ
أختاه, لا تبكي, فهذا العيد عيد الميّتين!

فعلا إنهم كالجثث الهامدة لا يحركهم ضمير أو أي شعور بالمسؤولية اتجاه اخوانهم لمناصرتهم ورفع الظلم والقتل والتهجير الذي يتعرضون له، ولكن الله سينصرالمقاومين المجاهدين والنصر قريب بإذنه تعالى القاهر القوي: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.

عن المؤلف

كفاح وتوت

اترك تعليقا