مناسبات

رحلة الحج وأهم المضامين

رحلة ليس كأي رحلة وان بدت سهلة المنال في الوقت الحاضر لسهولة الوصول وقلة وعثاء السفر والزاد والراحلة، إلا انها كانت رحلة شاقة في الازمان البعيدة مما تحمله من تعب ونصب ومخاطر الطريق ووحشته، ألا ان القلوب تهفوا لذلك المكان كما الوليد الذي اشتاق لأمه ووجد ضالته فيها شوقا وحنينا وعتابا ودموعا سواك.

الحج – من ناحية المسافة الزمنية والمكانية – رحلة كأي الرحلات والأسفار، ولكنه من ناحية المضمون والمعنى الذي تحتوي عليه فريضة الحج الإسلامي، فإنه يستوحى منه عدة رحلات معنوية يقطعها الإنسان المؤمن خلال حركته في هذه المسافة الزمانية والمكانية هي:

الحج رحلة إلى الله عز وجل:

حين يرفع الإنسان المؤمن قدمه في بداية الرحلة، فإنه يتجرد من بيته وأهله وماله ومن كل متعلقاته

بما أن هذه الرحلة، رحلة لمجرد القلب والروح والفكر من كل مظاهر الدنيا وبهارجها وزخارفها وحيلاتها، فحين يرفع الإنسان المؤمن قدمه في بداية الرحلة، فإنه يتجرد من بيته وأهله وماله ومن كل متعلقاته، إلا ما يكفيه من زاده وراحلته، إلى أن ينزع الإنسان ملابسه فعلاً، ويخلع كل ما يرمز إلى الدنيا من ملابس الفخر والخيلاء، مكتفياً بقطعتي قماش هما: المتزر والأزار، تاركاً كل ما وراءه، معترفا بوجود الله الأكبر عز وجل، وبنعمه السابعة على هذه الحياة بكلمات التلبية : “لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”.

 ومن هنا يستوحي الإنسان المؤمن صورة المنتهى يوم يموت راحلاً إلى الله – عز وجل ــ وما بعد الموت أمر وأدهى: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}.

ولما كانت هذه الرحلة رحلة تجرد الإنسان المؤمن عن نوازعه ومظاهره الدنيوية، وترتفع به إلى الله – عز وجل ــ، فلابد أن يستعذب الإنسان في هذه الرحلة وفي غيرها كل الأتعاب والمشقات والمرارات والأوصاب؛ لأن ذلك كله يصغر بإزاء الهبات والعطاءات الربانية.

الحج رحلة إلى التاريخ

ما من أمة من الأمم أو شعب من الشعوب إلا ويعتز بمعالم تاريخه ومواقف أمجاده، فكيف بالإنسان المؤمن الذي يمتلك تاريخاً زاخراً بالعطاءات؟ فحري به أن يستوحي منه عناصر قوته، ويأخذ من حياة أبطاله زاد حياته.

إن التاريخ يتكون من ثلاثة معالم هي الزمان، والمكان، والحدث، أو الموقف، وإن هذه المعالم تجتمع في العديد من ماسك الحج الإسلامي، إذ يستذكر الإنسان المؤمن بأي من هذه المعالم الثلاثة، تاريخ الإسلام والرسالة.

ولكن هذه المعالم لم تصنع لوحدها، فلم يأخذ الزمان أو المكان قدسيته وشأنه إلا من خلال الحدث أو الموقف المقدس، كما لم يكن هناك موقف ما لم يكن هناك رمز تاريخي وشخصية قد أعطت للتاريخ من جهدها وجهادها وعنائها من أجل أن تصنع الموقف التاريخي، لذا فالإنسان المؤمن اليوم، يقرأ صفحات من تاريخه على أرض مكة والمدينة، تلك الصفحات الحافلة بمواقف الصبر والشجاعة والوفاء والأمانة والصدق والجهاد في سبيل الله – تعالى ــ وذلك من خلال ما يراه من المشاهد والمقامات والشواخص التي لا تزال وستبقى قائمة وهي تقترن بمواقف وأحداث.

 ومن هذه المعالم المقدسة: الكعبة والمسجد الحرام، ومقام إبراهيم، عليه السلام، والمسعى بين الصفا والمروة وزمزم، ومسجد الراية، ومسجد الجن (وهو المكان الذي نزلت فيه آيات سورة الجن)، ومسجد الإجابة، ومسجد حمزة وعرفات، ومسجد نمرة، ومسجد مزدلفة، ومنى، ومسجد الخيف، ومسجد البيعة، ومسجد النحر، ومسجد الصفايح ، ومسجد الجعرانة، ومسجد التنعيم، وموقع مولد النبي – صلى الله عليه وآله وهو الآن (مكتبة مكة المكرمة)، وبيت خديجة الكبرى – عليها السلام، وهو الآن (مدرسة لحفظ القرآن الكريم)، وغار حراء في جبل النور، وجبل وغار ثور ومقبرة أبي طالب، عليه السلام.

هذه المواقع كانت تحكي فيما مضى: أنها هنا ساحة كانت منها بداية العمل والحركة، وكانت معها الحكاية، حكاية تاريخ الأنبياء، وحكاية ملة إبراهيم عليه السلام وحكاية رسالة الحنيفية السمحاء

أما في المدينة، فتقرأ: مسجد النبي، صلى الله عليه وآله، ومسجد قباء ومسجد الجمعة، ومسجد القبلتين المكان الذي تحولت فيه القبلة إلى المسجد الحرام)، ومسجد الإجابة، ومسجد الغمامة، ومسجد الشجرة، ومسجد الوداع، ومسجد أبي ذر، رضوان الله عليه/ ومسجد بني حارث، ومسجد بني ظفر، ومسجد المنارين، ومسجد المغسلة، ومسجد بنات التجار، ومسجد ومشربة أم إبراهيم، ومسجد الدرع ومسجد الثنايا، ومقبرة البقيع، وجبل ومقبرة أحد.

 والمساجد السبعة، وفيها: مسجد الفتح، مسجد فاطمة عليها السلام، مسجد علي، مسجد سلمان، وإجمالاً، هنا تُرسم لنا هذه المشاهد، وأصحاب المواقف فيها، نقطة النهاية التي يرمون إليها، والغاية التي تشرق على نفوسهم من أوج علوّها وجلالها وكبريائها، فتشد إليها أزواجهم وقلوبهم غير آبيهن بصخب المحيط، ووعورة الطريق، وأوصاب الرحلة إلى تلك الغاية المثلى.

الحج منبع عطاء للحاضر

وهنا تنقلنا هذه الفريضة إلى مشاهد ومواقع كانت وسوف تبقى على أبعد مديات الدهور وتعاقب العصور مصدر عطاء ات خيرة ومثمرة الحاضر ومستقبل حياتنا.

وهذه المواقع كانت تحكي فيما مضى: أنها هنا ساحة كانت منها بداية العمل والحركة، وكانت معها الحكاية، حكاية تاريخ الأنبياء، وحكاية ملة إبراهيم عليه السلام وحكاية رسالة الحنيفية السمحاء، {ملةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَماكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَأَتوا الزَّكَاةَ وَاعتَصِمُوا بِاللَّهُ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعمَ النَّصِيرُ}.

وأماكن تهفو اليها أفئدة الموالين لأهل البيت، عليهم السلام، انها بقيع الغرقد تلك الأماكن التي تضم مراقد كانت شامخة تناطح سحب السماء علوا ورفعتا ومضمونا وعلما وموقف.

عن المؤلف

كريم الموسوي

اترك تعليقا