مناسبات

لماذا لم يلجأ مسلم بن عقيل الى الانقلاب العسكري في الكوفة؟

لقد كان اختار الإمام الحسين، عليه السلام، لمسلم بن عقيل اختياراً انتقائياً قائماً على أساس من التفكير السليم والتخطيط الواعي والشعور بالتبعة تجاه هذا الهدف الذي كان يرنو إلى تحقيقه، ذلك أن الإنسان وهو يعيش في أسرته فإنه غالباً ما تنطبع عليه بصمات تلك الأسرة وعاداتها وثقافاتها وما إلى ذلك من لوازم تفكيرها.

 وهذا ليس بعيد عن حال مسلم بن عقيل ذلك أنه عاش في أسرة هي من أشرف الأسر وكان لهذا الأمر مدخلية في تكوين شخصية هذا الإنسان المؤمن الرسالي وتركيبه.

ولقد عاش لحالة التأثير والتأثر الطبيعيين اللتين لا يمكن أن ينفك عنهما إنسان يعيش في مجتمع، وكل ما في الأمر أن هاتين الحالتين تارة تكونان سلبيتين وتارة تكونان إيجابيتين.

وتأثير مسلم بن عقيل وتأثره كان من النوع الإيجابي حيث انه رضوان الله ــ تعالى ــ عنه قد تشرّب بأخلاق رسول الله، صلى الله عليه وآله، وأخلاق أمير المؤمنين والإمامين الحسنين، وبهذا فإنه كان على مستوى رفيع من الأخلاق النبيلة والحسنة، ونعرف أن الشخص يسهم إسهاماً كبيراً في بناء الأسرة وهي بالتالي تسهم إسهاماً أكبر في بناء ملامح شخصية الإنسان.

ومن أبرز المؤهلات التي اتصف بها: الشجاعة والإقدام والعزم على المضي في ما كُلّف فيه وما أرسل من أجله، يذكر المؤرخون أنه سار معه دليلان فقط ليرشداه إلى الطريق، لكن الذي حصل أنهما ماتا أثناء تلك الرحلة وقبل أن يسلما الروح أشارا له إلى اتجاه الطريق الصحيح كي يستدل إليه بعدهما، وفعلاً بعد أن توفيا جاء إلى الطريق الذي أشار اليه حتى وصل إلى مكان استطاع منه أن يكتب كتاباً إلى الإمام الحسين ويرسله مع أحد الناس.

وظيفة مسلم بن عقيل لم تكن السيطرة على الكوفة عسكريا عن طريق القيام بانقلاب مثلا، أو البدء في حرب مع أنصار بني أمية، وإنما كانت مهمته أشبه بالاستطلاعية

والسؤال الجوهري الذي يطرح: لماذا لم يستلم مسلم بن عقيل حكم الكوفة عن طريق الانقلاب العسكري؟

 الجواب عن ذلك فلأمور منها:

 الأول: إن الإمام الحسين، عليه السلام، قد عين وظيفته في رسالته التي أرسلها معه إلى الكوفة وأهلها حيث كتب: من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين. أما بعد: فإن فلانا وفلانا قدما علي بكتبكم، وإلي باعث إليكم مسلم بن عقيل، فإن كتب إلى أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله” (إعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص ٦٣٤).

ومن هنا يتبين أن وظيفة مسلم بن عقيل لم تكن السيطرة على الكوفة عسكريا عن طريق القيام بانقلاب مثلا، أو البدء في حرب مع أنصار بني أمية، وإنما كانت مهمته أشبه بالاستطلاعية لكي يرى هل الواقع يتطابق مع ما هو مذكور في رسائل القوم؟ أو أنه يختلف؟ وأن عليه أن يكتب للإمام الله ما يرى ويشاهد.

 وقد قام مسلم بما طلب منه وبالفعل فقد أرسل كتابا بما رأى من اجتماعهم على بيعة الإمام الحسين الله وأرسلها إليه وقال فيها: “أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأى ولا هوى والسلام”.

الثاني: يحتمل أيضا أن الأمور جرت بنحو فوجئ به مسلم حيث أنه بعدما بايعه ثمانية عشر ألفا وكان الناس في رأيه، فإن ذلك كان يمثل تطمينا بالنسبة له لكيلا يبدأ في عملية انقلابية، إضافة إلى ما ذكر سابقا، وكان قدوم عبيد الله بتلك السرعة متخفيا يمثل عنصر المفاجأة التي لم تكن محسوبة ومتوقعة.

وكانت السيطرة على الوضع في الكوفة تامة المسلم والشيعة، والناس كانوا يرغبون في تغيير الوضع القائم، لكن الذي غيّر الأمور بشكل كامل هو مجيء ابن زياد غير المتوقع أصلا، وذلك أنه كان على خلاف مع يزيد.

 ولم يكن يزيد في بداية أمره يميل إليه لكن اقتراح سرجون بن منصور الرومي بأن يرسل إلى الكوفة ابن زياد خلط الأمور وغير المعادلة، وكان الأمر بهذا النحو وبهذه السرعة مفاجئا حتى بالنسبة للنعمان بن بشير الذي قال لابن زياد لما طرق باب القصر: ما أنا بمؤد إليك أمانتي يا ابن رسول الله !

وأما أنه كيف تمت السيطرة على الأمور بهذه السرعة لصالح بني أمية، فذلك لأنه في أوقات الأزمات الاجتماعية لا يمكن أن يبقى الانتظار سيد الموقف للأخير، وصاحب المبادرة والاقتحام ولو كان من أهل الباطل هو الذي يأخذ بزمام الأمور فيفرض على المجتمع ولو لمدة وهو لا يريد ذلك.

 والمتتبع للتاريخ من بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله، وإلى أيام الأمويين والعباسيين يرى هذا بوضوح فضلا عن التاريخ الإنساني العام.

وبعد قتال مسلم في الكوفة قتال الابطال وقع اسيرا بيد ابن زياد فادخل قصر الإمارة فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعقيلاً وأخذ مسلم لا يكلمه ثم قال ابن زیاد: أين الذي ضرب مسلم عائقه بالسيف؟

تأثير مسلم بن عقيل وتأثره كان من النوع الإيجابي حيث انه رضوان الله ــ تعالى ــ عنه قد تشرّب بأخلاق رسول الله، صلى الله عليه وآله، وأخلاق أمير المؤمنين والإمامين الحسنين، وبهذا فإنه كان على مستوى رفيع من الأخلاق النبيلة والحسنة

 فجاء بكر بن حمران الذي أصابته ضربة من مسلم أثناء القتال معه فأجافته (أي بلغت جوفه) فأمره بأن يصعد به فوق القصر ويضرب عنقه فقال مسلم: والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني.

فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله ويصلي على رسول الله ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا، ثم طلب منه أن يمهله حتى يصلي ركعتين فأمهله فصلاهما فلما فرغ منهما التفت ناحية زرود (اسم جبل قرب جبل طي) وكان الإمام الحسين آنذاك فيها فصاح: عليك مني السلام أبا عبد الله إن ابن عمك بين يدي قوم لا يدري متى يقتل. فقام الحسين مختلفاً بعبرته وقال: وعليك السلام يا غريب كوفان. ثم دخل إلى خيمة النساء وصاح زينب قالت: لبيك قال: علي بطفلة مسلم.

فأخرجت إليه طفلته موضعها في حجره وأخذ يمسح بيده على رأسها فرفعت رأسها إليه وقالت : يا عم أراك تصنع بي ما يصنع باليتامى لعله قد استشهد والدي؟

قال :بنية عظم الله لك الأجر بأبيك أنا أبوك وبناتي أخواتك، قالت:

يا عم أنت خير من أظلت الخضراء وأقلت الغبراء..

ثم اخترط بكر بن حمران سيفه وضربه ضربة فلم تعمل به شيئاً ومسلم الله يقول: اللهم إلى رضوانك ورحمتك باسم الله وبالله ثم التفت إليه وقال: أو ما في خدشة مني وفاء لدمك؟ ثم ثنى عليه بالضربة فقتله ثم حمل جسده بعد أن أبان العنق وألقاء من أعلى القصر إلى الأرض ولما سقط الجسد أقبلوا إليه ووضعوا في رجليه الحبال وجعلوا يسحبونه في الأزقة والشوارع.

فسلام على سفير الحسين يوم ولد ويوم استشهد صبرا ويوم يبعث حيا.

عن المؤلف

كريم الموسوي

اترك تعليقا