عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : كان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله، وأكل معه الطعام وإنه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول : لا إله إلا الله وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويامر بالقراءة من كان يقرأ منا، ومن كان لا يقرأ أمره بالذكر”.
تمر على أتباع ومحبي أهل البيت هذه الأيام مناسبة أليمة على قلوبهم هي ذكرى شهادة إمامنا محمد بن علي الباقر الله، لذا نذكر جانبا من هذه الفاجعة الأليمة، إحياء لأمرهم الله وتذكيراً للمؤمنين الكرام بهذا المصاب الجلل.
مقولة ان الظروف تصنع رجالا هي واقعية بالتجربة، ولا يمكن لأحد أن ينكرها، تجلى ذلك في حياة الامام الباقر، عليه السلام، إذ انقذ الإمام الباقر الاقتصاد الإسلامي من تهديد ملك الروم، موقف صعب اثبت الامام، عليه السلام براعةً وموقفا صلبا لحل مشكلة كادت تؤدي بمنعطف خطير بمقدرات الامة.
لقد تعرض الاقتصاد العربي المحاولة تخريب واستفزاز من قبل ملك الرومان، وهدد بضرب العملة الاسلامية وتشويهها، وبقي الخليفة عبد الملك بن مروان يفكر كيف الخلاص من ذلك المأزق، وجمع الناس وعرض عليهم الأمر قلم يجد عند أحد رأيا حاسما.
أشار عليه روح بن زنباع، فقال له: إنك التعلم المخرج من هذا الأمر، ولكنك تتعمد تركه، فأنكر عليه عبد الملك وقال له: ويحك من؟
فقال له: عليك بالباقر من أهل بيت النبي (صلّى اللّه عليه واله).
فأذعن عبد الملك، وصدقه على رأيه، وعرفه أنه غاب عليه الأمر، وكتب من فوره إلى عامله على يثرب يأمره بإشخاص الإمام وأن يقوم برعايته والاحتفاء به، وأن يجهزه بمائة ألف درهم، وثلاثمائة ألف درهم لنفقته، ولما انتهى الكتاب إلى العامل قام بما عهد اليه، وخرج الإمام من يثرب إلى دمشق فلما سار إليها استقبله عبد الملك، واحتفى به وعرض عليه الأمر فقال (عليه السّلام): “لا يعظم هذا عليك فإنه ليس بشيء من جهتين : إحداهما ان اللّه عزّ وجلّ لم يكن ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) والأخرى وجود الحيلة فيه”.
فقال: ما هي؟
قال: (عليه السّلام) : تدعو في هذه الساعة بصناع فيضربون بين يديك سككا للدارهم والدنانير، وتجعل النقش صورة التوحيد وذكر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه واله) أحدهما في وجه الدرهم، والآخر في الوجه الثاني، وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنّة التي يضرب فيها، وتعمد إلى وزن ثلاثين درهما عددا من الأصناف الثلاثة إلى العشرة منها وزن عشرة مثاقيل، وعشرة منها وزن ستة مثاقيل، وعشرة منها وزن خمسة مثاقيل، فتكون أوزانها جميعا واحدا وعشرين مثقالا.
فتجزئها من الثلاثين فيصير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل، وتصب صنجات من قوارير لا تستحيل إلى زيادة ولا نقصان، فتضرب الدراهم على وزن عشرة، والدنانير على وزن سبعة مثاقيل.
وأمره بضرب السكة على هذا اللون في جميع مناطق العالم الاسلامي، وأن يكون التعامل بها، وتلغى السكة الأولى، ويعاقب بأشد العقوبة من يتعامل بها، وترجع إلى المعامل الاسلامية لتصب ثانيا على الوجه الإسلامي .
وامتثل عبد الملك ذلك، فضرب السكة حسبما رآه الإمام (عليه السّلام) ولما فهم ملك الروم ذلك سقط ما في يده، وخاب سعيه، وظل التعامل بالسكة التي صممها الإمام (عليه السّلام) حتى في زمان العباسيين.
أنقذ الإمام الباقر الاقتصاد الإسلامي من تهديد ملك الروم، موقف صعب اثبت الامام، عليه السلام براعةً وموقفا صلبا لحل مشكلة كادت تؤدي بمنعطف خطير بمقدرات الامة
ومن الغريب أن مناهجنا في الدراسة المتوسطة لازالت تعدعبد الملك بن مروان هو المحرر الأول للاقتصاد العربي وهو أول من سك العملة، لذا يتطلب وقفه جادة من وزارة التربية ان تظهر الحقائق على ماهي والاحتفاظ بسير التاريخ دون التخفي والتشويه كون الحقيقة مدونة في سفر التاريخ.
ونختم المقال بشذرات من أقول الإمام وحكمه: “إن أشد الناس حسرة يوم القيامة عبد وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره”.
وقد عرف الإمام (عليه السلام) حقيقة الإيمان بقوله: “الإيمان ثابت في القلوب واليقين خطرات فيمر اليقين بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالية”.
استشهد الامام الباقر (عليه السلام) وعمره (٥٧) سنة، على اثر السم الذي دسه اليه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك أيام حكم هشام بن عبد الملك الذي أمره بذلك وانطوت صفحة مليئة يا الذكر، وأغنت المكتبة العربية من علوم ومعرفة يرتوي منها العالم إلى هذا اليوم.
فسلام عليك يا باقر العلوم .يوم استشهد مسموما ويوم تبعث حيا .