أسوة حسنة

وِلايَةُ القَمَرُ الزَّاهِرُ الإِمَامُ مُحَمَّد البَاقِر

في 8 ذي الحجة سنة 114 هـ استشهد الإمام محمد الباقر عليه السلام

مقدمة تاريخية

من الجدير بالذكر ما يذكره المؤرخون عن أجداد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كعمرو العُلى (هاشم)، وشيبة الحمد (عبد المطلب)، ووصفهما في الجاهلية العربية والقرشية فكانوا يصفون هاشم بالبدر أو القمر من شدَّة جماله، بل كانوا يطلقون على هاشم وأخاه المطلب: القمران والبدران، قال الجاحظ: كان يقال لهاشم: القمر.. كان بين مطرود الخزاعي وبعض قريش شيئاً فدعاه إلى المحاكمة إلى هاشم وقال: (إلى القمر السَّاري المنير دعوته).. والكاهن الخزاعي الذي قال عندما نافر هاشم أمية وهو جد عمرو بن الحمق فقال:” والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، من مخبر وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منه وآخر).

وحتى أن خالدة بنت هاشم كانت تسمَّى (قبَّة الدِّيباج) أي قبَّة الحرير لجمالها، والذي جمع جمال الهواشم هم أبناء أبو طالب لأنهم أول مَنْ ولد لهاشميين، لأن أمهم السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم كما هو معروف.

والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول: (لو كان الحُسنُ شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً). (فرائد السمطين 2: 68)

الإمام الباقر (عليه السلام) بعبقريته وشخصيته الفذة استطاع أن يعيد التوازن إلى الأمة الإسلامية ثم إلتفافها حول أهل البيت الأطهار

وحسنها (صلوات الله عليها) تقسَّم بين أبنائها، الحسن والحسين (عليهما السلام)، والذي جمعهما ثانية كان الإمام محمد الباقر (عليه السلام) لأنه أول حسني حسيني، لأن والده الإمام علي بن الحسين زين العابدين الذي حاز الجمال العربي والفارسي من أمه شاه زنان بنت كسرى الفرس، وأمه السيدة الجليلة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) والتي كانت أشبه الناس بجدتها فاطمة الزهراء كما يصفها والدها، ولذا كان الإمام الباقر (عليه السلام) وسيماً جسيماً جميلاً جداً ولكن أخفى أوصافه وجماله ذلك الزمن الظالم المظلم الذي عاش فيه، وتعاقب على الحكم في عصر الأكباش المروانيين الذين أذاقوا الأمة يوماً أحمر بظلمهم وفسادهم وشقاوتهم لأنهم من أبناء ذلك الملعون على لسان رسول الله وهو مروان بن الحكم طريد رسول الله، والذي قال فيه كما في رواية زُرَارَةَ عن الإمام الباقر (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يَقُولُ: لَمَّا وُلِدَ مَرْوَانُ عَرَضُوا بِهِ لِرَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فَأَرْسَلُوا بِهِ إِلَى عَائِشَةَ لِيَدْعُوَ لَهُ فَلَمَّا قَرَّبَتْهُ مِنْهُ قَالَ: (أَخْرِجُوا عَنِّي اَلْوَزَغَ اِبْنَ اَلْوَزَغِ)، قَالَ: زُرَارَةُ وَلاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: وَلَعَنَهُ). (الکافي: ج۸ ص۲۳۸)

ويؤيد ذلك ما رواه القوم صحيحاً كما في مستدرك الحاكم النيسابوري، عن عبد الرحمن بن عوف الذي قال: (كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي (صلى الله عليه وآله) فيدعو له فأُدخل عليه مروان بن الحكم، فقال: هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون). وقال الحاكم: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه”. (المستدرك على الصحيحين: ج ٤ ص ٤٧٩).

ولاية القمر الزاهر

والحقيقة التاريخية تشهد بأن الإمام الباقر (عليه السلام) الذي عاش مع جده الإمام الحسين السبط (عليه السلام) أربع سنوات وشهد معه كربلاء بكل مآسيها ورآها بأم عينه وقاساها في الأسر وما جرى على ثقل آل محمد في أربعين منزلاً من الكوفة إلى الشام، ومنها إلى كربلاء، ثم المدينة المنورة، ثم عاش مع أبيه الإمام السجاد حوالي أربع عقود قضاها بالبكاء والنحيب، والدعاء والعبادة، لأنه كان ممنوعاً عليه أن يجالس أحداً من المسلمين، ولذا لا تجد في (بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا)، كما قال الإمام زين العابدين فلك أن تتصوَّر حراجة الوضع الذي كان فيه الإمام الباقر الذي تصدَّى فيه لقيادة الأمة الإسلامية وفي عاصمتها لا يوجد أحد يحبه.

ولكن الإمام الباقر (عليه السلام) بعبقريته وشخصيته الفذة استطاع أن يعيد التوازن إلى الأمة الإسلامية ثم إلتفافها حول أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) لأنهم أساس الإسلام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت)، وهذا الأساس حاول أبناء الجهل والجاهلية الأموية أن يدفنوه كما كان يحلم معاوية بن هند ويقول: (لا والله إلا دفناً دفناً)، ومارسوا في سبيل ذلك أبشع وأشنع أنواع الظلم والقتل وارتكبوا المجازر التي يندى لها جبين التاريخ والإنسانية في كربلاء، والحرَّة، والبيت الحرام.

ولما لمسألة الولاية والإمامة من مكانة في الأمة الإسلامية ولها من تأثير في حياة الناس وهي أساس وأصل من أصول الدِّين الحنيف، ولذا كان يبيِّنها ويحاول أن يظهرها في كل مناسبة

ولكن استطاع الإمام الباقر (عليه السلام) وخلال إمامته القصيرة نسبياً والتي استغرقت حوالي عشرين سنة أن يقلب المعادلة كلها، وأن يعيد الأمة إلى جادة الصواب، ويزيح كل ذلك التراب والضباب الذي أثاره بنو أمية في وجوه الأمة عن أهل البيت الذين كانوا يسبُّونهم على المنابر التي بنوها بجهدهم وجهادهم ضد آباء هؤلاء الأشقياء من بني أمية وطغاة قريش المعروفين، لا سيما أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) الذي قام الإسلام بسيفه وجهاده كما يقول رسول الله.

خطة الإمام الباقر

اتبع الإمام الباقر (عليه السلام) خطة عمل محكمة في هذا السبيل، وكانت تتألف من أربعة نقاط أساسية هي:

1-فضح بني أمية ورجالهم وأبواق الضلال والتضليل في الأمة.

2-بيان أصول الدِّين، وبالخصوص الولاية والإمامة ومكانتها في الإسلام.

3-قيام أول مدرسة وحوزة علمية في المدينة المنورة تستقطب التلاميذ والطلاب.

4-تربية أولئك الأساطين الذين حملوا أحاديث وروايات أهل البيت، وهؤلاء شكلوا أكبر ثروة علمية في تاريخ الأمة الإسلامية، وهم الذين أعادوا الأمة إلى الدِّين، والدِّين إلى الحياة بما نشروه من أحاديث وروايات أهل البيت وخاصة الإمام الباقر (عليه السلام).

الإمام الباقر والولاية

ولما لمسألة الولاية والإمامة من مكانة في الأمة الإسلامية ولها من تأثير في حياة الناس وهي أساس وأصل من أصول الدِّين الحنيف، ولذا كان يبيِّنها ويحاول أن يظهرها في كل مناسبة، ويتحدَّث عنها على أصولها حتى تعلم الأمة أنهم إذا أضاعوا الإمامة والولاية فإنهم أضاعوا النبوة والتوحيد وحتى العدل والميعاد، لأن الولاية هي الباب لقبول كل الأعمال، فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: (بُنِيَ اَلْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: اَلصَّلاَةِ، وَاَلزَّكَاةِ، وَاَلصَّوْمِ، وَاَلْحَجِّ، وَاَلْوَلاَيَةِ، وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْءٍ مَا نُودِيَ بِالْوَلاَيَةِ يَوْمَ اَلْغَدِيرِ)، وَزَادَ في آخر، (فَأَخَذَ اَلنَّاسُ بِأَرْبَعٍ وَتَرَكُوا هَذِهِ يَعْنِي اَلْوَلاَيَةَ). (الکافي: ج۲ ص۲۱).

فعَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): إِنَّمَا يَعْبُدُ اَللَّهَ مَنْ يَعْرِفُ اَللَّهَ فَأَمَّا مَنْ لاَ يَعْرِفُ اَللَّهَ فَإِنَّمَا يَعْبُدُهُ هَكَذَا ضَلاَلاً، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا مَعْرِفَةُ اَللَّهِ؟ قَالَ: تَصْدِيقُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَصْدِيقُ رَسُولِهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَمُوَالاَةُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وَاَلاِئْتِمَامُ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ اَلْهُدَى (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) وَاَلْبَرَاءَةُ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَدُوِّهِمْ هَكَذَا يُعْرَفُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ).

ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: (إِنَّ اَللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ طَهَّرَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) وَسَأَلَهُمْ أَجْرَ اَلْمَوَدَّةِ وَأَجْرَى لَهُمُ اَلْوَلاَيَةَ وَجَعَلَهُمْ أَوْصِيَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ ثَابِتَةً بَعْدَهُ فِي أُمَّتِهِ فَاعْتَبِرُوا يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ فِيمَا قُلْتُ حَيْثُ وَضَعَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَيَتَهُ وَطَاعَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ وَاِسْتِنْبَاطَ عِلْمِهِ وَحُجَجَهُ فَإِيَّاهُ فَتَقَبَّلُوا وَبِهِ فَاسْتَمْسِكُوا تَنْجُوا بِهِ وَتَكُونُ لَكُمُ اَلْحُجَّةُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَطَرِيقُ رَبِّكُمْ جَلَّ وَعَزَّ وَلاَ تَصِلُ وَلاَيَةٌ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ بِهِمْ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقّاً عَلَى اَللَّهِ أَنْ يُكْرِمَهُ وَلاَ يُعَذِّبَهُ وَمَنْ يَأْتِ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ كَانَ حَقّاً عَلَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُذِلَّهُ وَأَنْ يُعَذِّبَهُ).

والبحث والحديث عن الولاية في أحاديث وأقوال الإمام الباقر (عليه السلام) وتحليلها وشرحها يحتاج إلى بحث مطوَّل وكتاب مستقل، ولكن أحببت بهذه الإشارات ونقل بعض هذه الأحاديث التي كان ينشرها ويشيعها الإمام الباقر في ذلك العصر الذي كان ممنوعاً على أحد أن يذكر أهل البيت إلا بالسُّباب والشَّتائم، والمنقصة، وحتى منعوا الأمة من التسمية بأسمائهم الشريفة، وكتبوا في الآفاق: (برأت الذِّمة ممَّن يذكر فضيلة من فضائل أبو تراب وأهل بيته)، فلكي نعرف عظمة هذه الروايات -وهي من أقوى الروايات في الإمامة والولاية- يجب أن نعرف تلك الظروف الصعبة التي كان يعيشها الإمام في ظل حكم بني مروان من صبيان النار.

فكم هو عظيم موقف وجهاد وتضحية الإمام الباقر (عليه السلام) حينما استدعاه طاغية الشام هشام إلى عاصمته ليفتك به وبابنه وخليفته العظيم الإمام الصادق (عليه السلام) ولكنه ألقمه حجارته وعاد منتصراً وحاول أن يغتالهما في الطريق فخاب سعيه أيضاً وانتكث فتله عليه، فكم هو عظيم قول الإمام الباقر في ذلك العصر: (مَنْ دَخَلَ فِي وَلاَيَةِ آلِ مُحَمَّدِ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ فِي وَلاَيَةِ عَدُوِّهِمْ دَخَلَ اَلنَّارَ).          

السلام على مَنْ علَّم الأمة معنى ومبنى الإمامة والولاية في ولايته وإمامته عليها الإمام الخامس من أئمة المسلمين محمد الباقر، وعظم الله أجركم وأحسن الله عزاءكم يا موالين.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا