تربیة و تعلیم

كيف نبرّ والدينا؟

مثلما للابن حقوق على والديه عليه أيضا واجبات اتجاههم يجب عليه القيام بها، فالأبوين يحتاجان الى الدعم النفسي والمادي والرعاية والاهتمام بكل تفاصيلهما لئلا يشعران بكونهما اصبحا عالة على الوجود، ففي فترة الكِبر خصوصاً ينظران الى من يقوم بواجبهم من أبنائهم ليشعران بالارتياح النفسي، الذي يبقيهما على قدر عالٍ من الصحة النفسية التي تدعم الصحة الجسدية لهما، وبالتالي يعيشان براحة نسبية حتى ينتهي بهما الحال الى حيث أراد الله لجميع البشرية.

من المؤسف؛ بل المخجل ما نراه ونسمعه من قصص يندى لها جبين الإنسانية من تصرفات الأبناء غير الملتزمين بآداب وأخلاق الدين الإسلامي تجاه آبائهم وأمهاتهم من الإساءة إليهم، وعدم البر بهم، كما أن بعضهم يبتعدون عن آبائهم وأمهاتهم فلا يصلونهم، ولا يشعرون بأهمية الوقوف بجانبهم في أوقات شدتهم، فتراهم يرتادون المطاعم ويسافرون ويمارسون هواياتهم مع عوائلهم بينما يقبع آبائهم تحت الفقر والحرمان ونقص الدواء والغذاء، في  أي زمن نحن وماذا حلَّ بالبشر؟

 احقاً نحن ابناء خير امة اخرجت للناس؟

يجهل او يتجاهل الكثير من الأبناء حقوق آبائهم عليهم فيتركونهم على قارعة الزمن تأكلهم الضغوط النفسية والحسرات والشعور بالدونية، ويتمنون لو ان حياتهم تنتهي اليوم قبل الغد، الامر الذي يشي بعدم رغبتهم في الحياة وتمني المغادرة بأقرب فرصة، وهذا ما نسمعه من الكثير من الآباء الذي تعرضوا الى الإهمال من اهليهم.

يحتاج الابوين سيما في كبرهما الى رعاية مادية ومعنوية كبيرتين، فعلى الصعيد المعنوي يحتاج الوالدين الى تواجد ابناؤهم حولهم لتفقدهم والسؤال عن احوالهم

الكثير من الأبناء يعتقدون ان رعاية آبائهم تقع على الابن الاكبر او على الابن الذي يعيش مع والديه بذات البيت إذا كان الباقين يسكنون في بيوت اخرى مستقلة، بينما الحقيقة ان رعاية الوالدين والاهتمام بهم هو واجب جميع الابناء من دون استثناء، فلا ينبغي لاحد التنصل من مسؤوليته اتجاههم لأي عذر وبأية صورة.

اشارة:

في الحياة نرى الكثير من الابناء يعاملون آبائهم معاملات غير اخلاقية ولا مقبولة، معاملات منزوعة الاحترام على اقل تقدير، وحين نعود الى الماضي  يتبين ان هولاء الاباء عاملوا آبائهم بذات الطريقة واليوم هم يحصدون زرعهم بالامس، من هذا ندرك ان موضوع رعاية الابن لوالديه هو دَين يسترجع ذات يوم، فالبقدر الذي تهتم  بوالديك سيهتم ابناؤك بك عند الكبر.

ماهي أشكال رعاية الابناء للآباء؟

يحتاج الابوين سيما في كبرهما الى رعاية مادية ومعنوية كبيرتين، فعلى الصعيد المعنوي يحتاج الوالدين الى تواجد ابناؤهم حولهم لتفقدهم والسؤال عن احوالهم، سيما في اوقات امراضهم او مشاكلهم التي تواجههم وإن كانت بسيطة، فهم يشعرون بالإحباط إن لم يكن ابناؤهم بجوارهم، والعكس فأنهم يشعرون بالفخر الذي يبعث على الارتياح النفسي النابع من الاطمئنان بأنهم ليسوا مهمَلَين، بل لا يزالون هم محور اهتمام العائلة وهذا هو المهم بالنسبة لهم.

ومن حقوق الوالدين المعنوية على ابنائهم حفظ هيبتهم وعدم التجاوز عليهم لفظياً وسلوكياً، لان مثل هذه السلوك ستقوض من فرص توفيق الابناء ناهيك عن النهي الواضح عن الامتناع عن أذية الوالدين ولو بالكلمة، فهو القائل جل في علاه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}.

كما ان للأبوين الحق على أبنائهم بتوفير مكان مناسب للعيش تتوفر فيه مقومات الحياة الكريم وحسب القدرة لهم، كما يجب الاعتناء بنظافتهم الشخصية وعدم تركهم عرضة للانتقاد من الاخرين.

يجهل او يتجاهل الكثير من الأبناء حقوق آبائهم عليهم فيتركونهم على قارعة الزمن تأكلهم الضغوط النفسية والحسرات والشعور بالدونية

اما الاهتمام المادي الذي يحتاجونه فيكون على هيئة توفير المستلزمات المادية التي تتطلب الإنفاق المالي كالأكل والشرب والعلاج والملبس، وحتى اخراجهم الى الأماكن التي اعتادوها في ايام قوتهم، إذ ان من حق الوالدين على أولادهم أن ينفقوا عليهما إذا احتاجا إلى النفقة، ذلك من أعظم البر بهما، وأفضل الطرق لشكرهما على كل ما قدموه لأبنائهم منذ نعومة اظفارهم الى ان اوصلوهم الى ما هم عليه، بدءاً من وصولهم الى مراتب علمية وعملية وتكوين عوائل وما الى ذلك من إنجازات الحياة التي لم تكن تحصل لولاهم.

في الختام أيها القارئ المفضال: اذكر نفسي وإياك ان كان والداك على قيد الحياة، فأنك  لازالت محظوظا، ولو انفقت عمرك كله لما أرجعت اليسير من ديونهم عليك، فلا تقصر في ذلك، وإن كانا قد غادرا الحياة؛ احدهما، او كلاهما، فلهم عليك حق الدعوة لهم وزيارة قبورهما والتصدق عنهما ليبقى طريق الخير بينك وبينهم ممدود والله الموفق.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا