الهدى – متابعات ..
سجلت أسعار الأسماك في بغداد والمحافظات، ارتفاعاً غير مسبوق خلال الأيام الماضية، بعد انخفاض الكميات المعروضة جراء تراجع الإنتاج، الأمر الذي حرم الفقير من أحد أبرز بدائل اللحوم الحمراء، التي التهبت أسعارها هي الأخرى خلال الشهور الماضية.
ويأتي التراجع في انتاج الأسماك بعد نفوق أعداد كبيرة منها إثر شح المياه وتلوّثها، فضلا عن إقدام وزارة الموارد المائية على ردم الكثير من الأحواض والبحيرات الاصطناعية الخاصة بتربية الإسماك سعيا الى الحد من استهلاك المياه، إضافة إلى منع الصيد خلال هذه الشهور من أجل إكثار الأسماك واكتمال نموها.
وقفز متوسط سعر الكيلوغرام من السمك النهري إلى نحو 13 ألف دينار، بعد أن كان لا يتعدى الـ4 آلاف دينار خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي أعجز القدرة الشرائية للأسر الفقيرة وذات الدخل المحدود.
وقبل سنوات انتشرت في العراق أحواض طينية وأقفاص لتربية الأسماك، بعضها مرخّص وآخر غير مرخّص، ومن هذه الأحواض تجاوز إنتاج الأسماك مليون طن سنوياً، خلال الأعوام 2018 و2019 و2020.
وتنقل الوكالات عن عاملين في مجال تربية الأسماك وصيدها، القول أن شح المياه وتلوّثها، وردم الحكومة الأحواض غير المُرخصة، وتحجيم مناسيب المياه الواصلة إلى البحيرات المرخصة، والصيد الجائر بالسموم والكهرباء، كلها عوامل ساهمت في تراجع أعداد الأسماك في المسطحات المائية والأنهر، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير.
وفي حديث صحفي، يقول رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك إياد الطالبي، ان “ارتفاع أسعار الأسماك يعود إلى أسباب عدة، في مقدمتها ردم وزارة الموارد المائية الأحواض والبحيرات الصناعية الخاصة بتربية الأسماك، وشح المياه”، مؤكدا “تراجع الإنتاج السنوي من الأسماك إلى 150 ألف طن بعد أن كان يصل إلى مليون طن في أعوام ماضية”.
ويضيف قائلا أن “وزارة الموارد المائية سمحت بإنشاء أقفاص جديدة لتربية الأسماك، وفق تعليمات جائرة لا يمكن أن ينفذها من يرغب في إنشاء مثل هذه المشاريع”، متوقعاً استمرار انخفاض إنتاج الأسماك، ما يجعل سعر الكيلوغرام يصل إلى 15 ألف دينار في المتوسط.
ويشير الطالبي إلى أن “البحيرات التي تم ردمها في السنوات الأخيرة، كانت تحقق ما نسبته 75 في المائة من إنتاج الأسماك في العراق، وأن ردم هذه البحيرات لم يحقق أي زيادة في مناسيب مياه دجلة والفرات. فمياه البحيرات تم تصريفها في المبازل، لتصب في النهاية في الخليج العربي”، داعيا إلى إعادة النظر في سياسة ردم البحيرات والأحواض، وإلى دعم مربي الثروة الحيوانية للحد من ارتفاع أسعارها، مراعاة لقدرة المواطن الشرائية.
من جانبه، يقول المواطن محمد علي شهاب، أنه “بات من المستحيل أن تتناول العائلات الفقيرة وذات الدخل المحدود وجبة سمك إثر ارتفاع أسعار الأسماك بهذا الشكل المبالغ فيه”، مبينا أن “سعر سمك الكارب في الأسواق تجاوز الـ10 آلاف دينار للكيلوغرام الواحد، بعد أن كان خلال السنوات الماضية، قبل تنفيذ قرار ردم البحيرات، لا يتعدى الـ 4 آلاف دينار”.
ويؤكد انه “صرنا نقع في إحراج عندما يزورنا ضيفٌ. إذ لم نعد قادرين على إعداد وجبة طعام لائقة للضيافة كما اعتدنا، في ظل ارتفاع أسعار اللحوم والأسماك”.
ويشير شهاب إلى أنه “من واجب الحكومة دعم الثروة الحيوانية والعاملين فيها، فالعراق معروف على مر الأزمان بتربية الثروة الحيوانية، وليس من المعقول أن تتراجع فيه هذه الثروة التي تعد أحد أبرز موارده الاقتصادية”.
وزارة الزراعة تبنّت من جهتها إجراءات عدة للحد من ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية، وفق خطط استراتيجية تتضمن العمل على تكثير الأسماك ومنع الصيد الجائر، حسب تصريح صحفي لمعاون مدير عام دائرة الثروة الحيوانية لشؤون الأسماك في الوزارة حاتم الجبوري، الذي أكد أن “العمل متواصل من أجل عودة الأسعار إلى طبيعتها، والحد من الاستغلال الحاصل من خلال إجراءات رقابية وأمنية متواصلة”، داعياً الأجهزة الأمنية في بغداد والمحافظات إلى “منع الصيد الجائر، بهدف إيصال أحجام الأسماك الموجودة حالياً، إلى الأوزان المناسبة خلال 5 إلى 6 شهور”.
وأشار الجبوري في تصريحه إلى أن أسعار الأسماك في الأسواق المحلية ارتفعت بعد قرار منع صيدها الصادر أخيرا “إذ تعتبر هذه الفترة موسماً للتكاثر والحفاظ على المخزون السمكي في الأنهار والمسطحات المائية”، لافتاً إلى أن السبب الثاني لارتفاع الأسعار يعود إلى قرار وزارة الموارد المائية القاضي بردم آلاف البحيرات غير المرخصة والمتجاوزة على الأنهر.
إلى ذلك، يرى الباحث الاقتصادي علي العامري، إن العراقيين يفضلون الأسماك النهرية على البحرية، خلافا للبلدان الساحلية المطلة على الخليج أو تلك المطلة على البحار والمحيطات.
ويضيف في حديث صحفي قائلا أن “الأسماك النهرية في العراق تعد واحدة من أهم عناصر الثروة الحيوانية، لما لها من جدوى اقتصادية وإقبال كبير على استهلاكها، خاصة بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار اللحوم الحمراء”، مشيرا إلى ان “الأسماك المستوردة أرخص ثمناً وأقل تكلفة من تربية الأسماك المحلية، ما يجعلها خياراً للحد من ارتفاع أسعار الأسماك المحلية، فضلاً عن فاعليتها في تقليل استهلاك مياه الأنهار والبحيرات”.
وشدد العامري على أهمية الترويج للأسماك البحرية ودعم صياديها وتثقيف المواطنين باستهلاكها، كما تفعل دول الخليج العربي، فهذا الأمر سيساهم في زيادة العرض، وبالتالي سيؤدي إلى انخفاض أسعار الأسماك النهرية.