من الأعراف السائدة والتقاليد الاجتماعية القائمة في العراق وخصوصا في العقود الماضية ان يبقى الابن مع الاهل بعد الزواج، وهذا الواقع تفرضه الظروف المعيشة على الزوجين وتحتم أن يجلسا ويقيما في نفس البيت مع عائلة الزوج، سواء كان ذلك في بيت العائلة، ولكل منهما طابقه الخاص، أو في المنزل نفسه مع أهل الزوج، وبالطبع التعامل مع اهل الزوج بهذه الحالة له طابعه الخاص.
لن يتمكن أحد مهما بلغ من العقل والتفهم للأوضاع الاسرية من التخلص من المشكلات العائلية أو إيقافها بصورة تامة، لكن باستخدام مهارات الذكاء الاجتماعي، يمكن للزوجات إدارة الخلافات مع أهل الزوج بصورة ناجحة للفوز بعلاقة مستقرة أكثر سلاما وهدوءا، لكي ينعكس ذلك الهدوء على حياة الأطفال والاسرة بأكملها فيما بعد.
لا توجد حالة ثابتة:
في هذا المضمار يطرح الدكتور مدحت عبد الهادي خبير العلاقات الزوجية رأيه ويقول في العلاقات الإنسانية: لا توجد معادلة ثابتة يمكن القياس عليها دوماً، أي أن الأمر يخضع في كل مرة لنوعية العلاقة وشروطها وظروفها، لكن هذا لا ينفي ضرورة أن تكون هناك أُطر عامة ورئيسة في التعامل لتمر الأمور بسلام دون مشكلات أو مشاحنات بين الطرفين، فتبدأ الزوجة الجديدة بالتساؤل، كيف أتعامل مع أهل زوجي في نفس البيت؟
ومن أولويات التعامل مع اهل الزوج والظفر برضاهم ورضا الزوج هو إحسانكِ إلى أهل زوجكِ الذي يعد من أقصر الطرق إلى قلبه، ونجاح العلاقة بينك وبين زوجك لا يقتصر على علاقتك به فقط، بل يتسع الأمر ليشمل علاقتك مع أهل الزوج أيضاً، فليس أحب إلى الزوج من رؤية الانسجام المتبادل بين أهله وبين شريكة حياته، فأهل الزوج هم أهلك، وعليكِ أن تعتبريهم جزءاً من حياتك.
ليس بالضرورة أن تتأقلمي مع طباع أهل زوجكِ من اليوم الأول للزواج، فالبشر جميعهم مختلفون، حتى من ينشؤون في منزل واحد يكون لديهم طباع مختلفة، لذلك تقبلي اختلاف الطباع والتصرفات طالما لا تضركِ ولا تقلل من شأنكِ، وتوقعي أنهم أيضًا ما زالوا يتعرفون على طباعكِ وعاداتكِ.
من أولويات التعامل مع اهل الزوج والظفر برضاهم ورضا الزوج هو إحسانكِ إلى أهل زوجكِ الذي يعد من أقصر الطرق إلى قلبه
التعرف من قبل الزوجة على طباع اهل الزوج وتعرفهم على طباعها يحتاج في طبيعة الحال الى وقت ليس بقليل، فالزوجة انتقلت من بيئة اسرية قد تكون مختلفة تماما مع بيئة اسرة الزوج وكيفية ويشتمل ذلك الاختلاف ربما المكانة العلمية والاجتماعية وكذلك اختلاف مستوى الحالة الاقتصادية.
فالزوجة المنحدرة من اسرة ميسورة الحال، قد تشعر بالضيق او عدم الراحة في بيت الزوج إذا حصلت اختلافات في نوع الاكل او الأثاث المتواجد في المنزل، او غيرها من الأشياء التي تعد فوارق لا يمكن تجاهلها للوهلة الأولى، اذ ترى الزوجة في هذه النقطة مصدر اختلاف قد يولد لديها عدم انسجام مع تلك الاسرة التي تتمتع بالرخاء المالي.
وكذلك الاختلاف في المستوى الاجتماعي الذي يتضمن اختلاف العادات المنزلية لكلا الطرفين يحدث في بعض الأحيان اختلافات في وجهات النظر إزاء بعض القضايا العائلية، وهنا تصبح الزوجة الجديدة في حالة صدام مباشر او غير مباشر مع اهل الزوج نتيجة دفاع كل منهم عن آراءه ومتبنياته.
ونتيجة لما تقدم ذكره تحدث المشاكل الاسرية التي يكون قطب الرحى فيها الزوجة واهل الزوج، وفي أحيان كثيرة يدخل الزوج على خط التماس الأول مع المتصادمين، ويكون اشبه بالضحية وهو يسعى لخلق التوازن بين الطرفين والا يضطر الى الخروج عن منزل الاهل والعيش باستقلالية دفعا للمشاكل.
ولمن تبحث عن بعض الحلول التي بموجبها يمكن التخلص او تلافي المشكلات العائلية، عبر التعامل السليم مع اهل الزوج يضع المختصين بعض القواعد السلوكية للزوجة تضمن إبقاء بيت الاسري في حالة من الاستقرار وعدم الانخراط في بعض المشاكل والدهاليز التي لا يمكن الخروج بنتائج طيبة او إيجابية منها.
مفاتيح الحلول:
ومن مفاتيح الحلول على الزوجة ان تعرف ان الوحيد القادر على حل خلافاتك هو أنتِ، فأنتِ من تضعين الحدود ومن تقولين “لا” للأمر الذي يؤذيكِ، فلا تقحمي زوجكِ في كل مشكلة، ولا ترغميه على مواجهة أهله، وكذلك لا تأملي أن يتوقفوا هم من تلقاء أنفسهم عن إزعاجكِ، فإن كان لا مفر من تجنب الخلافات معهم، يمكنكِ تقليل الزيارات العائلية، دون أن تحرمي زوجك وأولادك من زيارتهم.
في بعض المواقف يكون الصمت ليس الخيار الأفضل لتجنب تعميق المشكلات العائلية، وفي هذه الحالة يستمر الأشخاص في التصرف بصورة مؤذية لمن حولهم إذا تمكنوا من الإفلات بطريقتهم كل مرة دون مواجهة، لذا فإن التجاهل ليس في صالحكِ دائما، ضعي المواقف في ميزان الحكمة، فتجاهلي المواقف البسيطة، لكن اتخذي موقفا حاسما من الأمور التي تمس احترام الآخرين لك، وتذكري أن خلط المواقف الساذجة بالمشكلات الحقيقية يضعف موقفك.
توضيح الحدود الشخصية والالتزام بها منذ بداية العلاقة، أمر لا مفر منه، لتجنب عواقب ذلك لاحقا، وبالطبع يمكنك أن تواجهي تجاوزا من قبل الآخرين، لذلك فإن تمسكك بها سيجعلها أمرا طبيعيا مع الوقت، ويمكنك أن توضحي هذا لفظيا حتى لا تلتبس الأمور على الطرف الآخر.
ومن المفاتيح أيضا يمكنك اختصار الطريق وتجاوز عقبات الحديث المتوتر، فبدلا من أن تقولي لأهل زوجكِ: “لا أحب أن تجتمع العائلة كل مرة في منزلكم”، يمكنك القول: “سأحب كثيرا إذا التقينا في النادي أو في مطعم على الغداء أو الذهاب إلى نزهة من أجل الأولاد”.
يتعين على الزوجة وكذلك اهل الزوج عدم إقحام الزوج في الخلافات مع عائلته لن يجدي، فلا تضعي نفسك في مقارنة معهم، ولا تنقلي الخلاف بينك وبينهم، ليصبح بينك وبين زوجك بالنهاية، ولذلك حاولي على قدر الإمكان حل خلافاتك معهم مباشرة، مع الحفاظ على خصوصية الزوجين، وبحسب دراسة قام بها مركز الإحصاء الإيطالي، فإن فرصة الحفاظ على الزواج تزداد كلما تباعدت المسافة بين عائلة الزوج وبيت الزوجية، على الأقل بقدر مسافة تحتاج إلى سيارة حتى يتمكن الزوجان من الحفاظ على خصوصيتهما.
توضيح الحدود الشخصية والالتزام بها منذ بداية العلاقة، أمر لا مفر منه، لتجنب عواقب ذلك لاحقا
ربما من يقرأ هذا المقال يجد فيه نوع من الكلام العابر لوقته، ويتحدث عن الاتجاه الحديث السائد في العلاقات الاسرية وهو عدم بقاء الزوج في منزل الاب بعد الزواج، وهذا واقع لا يمكن انكاره، لكن ومع السكن المعزول تبقى المشاكل قائمة فيما بين الاهل والزوجة، وهذا بالطبع واقع لا يمكن اخفاءه او تجاهله من قبل الجميع، وعليه فالمشكلة تبقى قائمة ما لم يتحلى جميع الأطراف بنوع من الحكمة والعقل في التعامل مع هذه القضية.
الكثير من الأولاد لا يمكنهم السكن بمفردهم وقد يكون الكلام الوارد في المقال موجه إليهم ومتناول لمشكلاتهم العائلية، اذ نحاول ومن خلال السطور الماضية الى وضع خارطة طريق قائمة على تفعيل لغة الحب بين جميع افراد الاسرة والابتعاد عن لغة الحقد والضغينة التي لا تنتج سوى مزيد من الفرقة والانشقاق الاجتماعي.