فکر و تنمیة

كيف تضع لنفسك روتينا إيجابيا؟

من العادات السيئة التي يتبعها بعض الافراد هي تبديد الوقت خلال اليوم ولا يوجد لديهم اعمال او مصلحة ما يؤدونها منذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء، وينتهي اليوم دون تدوين أي انجاز يذكر، وعلى الجانب الآخر يوجد من وضع روتين يومي إيجابي منظّم يحاول من خلاله تحقيق اقصى فائدة من ساعات يومه، فكيف نضع هذا الروتين، وكيف نحافظ على الالتزام به؟

الصنف الأول من المقال سيركز على الأشخاص الفوضويين الذين لا يعتمدون على توقيتات محددة لقضاء حوائجهم اليومية، ففي هذه الحالة من الطبيعي ان يبدأ يومهم من الساعة العاشرة او الثانية عشر ظهرا حين استيقاظهم من النوم، وربما يمتد نومهم طول ساعات النهار نظرا لسهر الليل بأكمله على مواقع التواصل الاجتماعي او الالتهاء في أمور بعيدة عن تطوير الذات.

النهوض متأخرا من النوم يجعل الفرد تائهاً في منتصف النهار، لا يعرف اين سيقضي باقي يومه، ففي العادة مثل هؤلاء الأشخاص لا يلتزمون بموعد عمل منتظم كما يعمل اقرانهم، وعدم الالتزام بمثل هذه الاعمال يجعلهم اشخاص غير راغبين في الحياة وتكثر لديهم النظرة السوداوية عن الأشياء والمستقبل على وجه الخصوص.

وليس شريطة ان يكون النوم هو العامل الوحيد وراء ضياع الوقت بالنسبة للأفراد غير المنظمين، فربما ينهضون منذ ساعات الصباح الأولى، ويحرصون على تناول وجبة الإفطار، وبعدها ينخرطون في الأشياء المسلية كمشاهدة فلم او متابعة مباراة كرة قدم لم يتمكن من متابعتها في الليلة الماضية.

اخضاع الاعمال اليومية الى التنظيم اليومي يجعلها تنجز بسلاسة فائقة، ويمنح فرصا أكبر لممارسة ببعض الأنشطة الممتعة معا

وتؤثر مثل هذه الحالة على شخصية الفرد بصورة مباشرة، إذ يقضي أيامه معتمدا على غيره في توفير مستلزماته اليومية كأن يطلب وبصورة مباشرة من والديه جلب ملبس معين إذا كان في مرحلة عمرية اقل من ثلاثين سنة او أكبر بقليل، وقد يصل الاعتماد على الآخرين حتى بعد الزواج.

فكثير من الأشخاص وبصرف النظر عن مراحلهم العمرية لا يفضلون الاعتماد على الآخرين في تلبية هذه الحاجات، ويعود السبب الرئيس من كل هذا هو عدم التنظيم والاعتياد على الروتين السلبي الذي يفضي الى هدر الوقت دون ان يجني الفرد أي فائدة ملموسة تنعكس فيما بعد على حياته وعلى مختلف الأصعدة.

الروتين الإيجابي:

يمكن اعتبار الروتين إيجابيا إذا كان يصبُّ في مصلحة الفرد، ومن صوره هو ان يلتزم الفرد بالوقت المحدد لإنهاء اعماله، فمثلا يضع توقيت معين للاستيقاظ مبكرا، والخروج لتأدية عمل او شغل معين، يتخلل هذا العمل محطات من الاستراحة او أشياء لكسر النمط الممل، فقد يترك الفرد عمله الرئيس وينشغل بمتابعة شيء يرغب في متابعته باستمرار.

ويفضل المختصون في بعض الأحيان ممارسة الألعاب الرياضية او الهواية المحببة للفرد والتي اعتاد على ممارستها لسنوات من اجل الخروج من ضغط العمل، او الضغوطات الحياتية التي تحاصره لتقضي على متعة يومه، لكنه يهاجمها بوضع المخطط المتكامل بالتوقيتات الدقيقة.

يمثل التنظيم اليومي الصحيح الموضوع من قبل الافراد عاملا مهما من عوامل خلق حياة مرتبة خالية قدر الإمكان من الفوضى او التخبط، فوفق التنظيم يصبح لكل شيء وقته المحدد لا يمكن ان يتعداه ويلغي بعض الفقرات اليومية، وبهذا يكون الفرد قد حقّق اعلى درجات الفائدة من وقته، ويتخلص من الإشكالية التي تواجه اغلب الافراد الذين لا يذهبون لاعتماد التنظيم.

يتساءل بعض الأشخاص عن كيفية ضياع الوقت دون الشعور بذلك، بينما يلاحظ اشخاص كثيرين لديهم انجاز ملحوظ على مدار اليوم، وهذا النوع من الافراد سر نجاحهم وتحقيق الإنجاز الكبير مقارنة بغيرهم يقوم على تسيير امورهم وفق جدول زمني ذو انضباط شديد مع وجود مرونة نسبية وفقا للمتطلبات.

اخضاع الاعمال اليومية الى التنظيم اليومي يجعلها تنجز بسلاسة فائقة، ويمنح فرصا أكبر لممارسة ببعض الأنشطة الممتعة معا، على ألا يأخذ بعض الأنشطة حيزا أكبر او اهتماما أكثر من النشاطات الأخرى، وهنا تكمن أهمية حساب الوقت بدقة عالية ووضع روتين يومي بشكل عملي يضمن تحقيق الهدف الأساس للأفراد وهو التقدم والانجاز المستمر.

كيف يمكن المحافظة على الروتين اليومي؟

الحفاظ على الروتين اليومي ليس سهلا لكنه بالغ الأهمية، ورغم صعوبة الحفاظ على جداول زمنية متسقة لكافة المهام الواجبة على الافراد بشكل يومي أو أسبوعي وتمثيله تحديا كبيرا لهم فإنه أمر بالغ الأهمية على المدى الطويل، إذ يلعب الروتين دوراً في تحقيق الاستقرار النفسي للفرد ويقدم له العديد من الفوائد التي يمكن أن تستمر مدى الحياة.

وتشير بعض الدراسات المختصة إلى أن الجداول الزمنية المنتظمة والمحددة للأنشطة التعليمية وتحديد أوقات اللعب والراحة، والعمل، والخروج مع الأصدقاء تضمن حصول الفرد على فرص مميزة لتعلم مهارات جديدة واستكشاف اهتماماتهم وتجديد عقولهم والحفاظ على حيويتهم، وهو ما يزيد إمكانية التطوير المعرفي والنجاح على مستويات متعددة من حياتهم.

ووجدت دراسة أجرتها عالمة النفس جينيفر ويل مالاتراس من جامعة ألباني أن الأفراد الذين ينشؤون في أسر تهتم بوضع روتين يومي ثابت يمكن التنبؤ به تقل احتمالية تعرضهم لمشاكل في إدارة الوقت، وتزداد قدرتهم على التركيز والاهتمام بأهدافهم وأولوياتهم في الحياة، مما يقلل الصعوبات التي تواجههم في مرحلة البلوغ.

ومن أساليب الحفاظ على الروتين اليومي يمكن ان يحدد الفرد المهام وزمن كل مهمة، وبعد ذلك يجب تدوين المهام التي يتوجب على الفرد القيام بها أو إنجازها خلال يومه، ثم حساب الوقت الذي يستغرقه لإتمام كل مهمة، وحساب الوقت لا بد أن يراعي تجنب المشكلات المتعلقة بالسلوك والإجهاد والتعب.

فوائد الروتين الإيجابي:

والى جانب القدرة على إدارة الوقت وتحسين الانتباه هناك مجموعة واسعة من الفوائد التي يحققها الروتين الثابت والمنتظم للأفراد منها تقليل أعراض الاكتئاب والقلق، فضلا عن الحد من المشاكل السلوكية، تحسين القدرة على ضبط النفس، تعزيز السلوكيات الصحية مثل جودة النوم.

تشير بعض الدراسات المختصة إلى أن الجداول الزمنية المنتظمة والمحددة للأنشطة التعليمية وتحديد أوقات اللعب والراحة، والعمل، والخروج مع الأصدقاء تضمن حصول الفرد على فرص مميزة لتعلم مهارات جديدة

من الطبيعي أن يختلف الروتين اليومي لكل عائلة، لكن الثابت أن الروتين الإيجابي هو الدافع الوحيد الذي يعطي الافراد القدرة على مواصلة أعمالهم اليومية وانجازها بما يحقق التكامل بين جميع الافراد المنتمين الى مؤسسات خدمية وانتاجية ومن ثم النهوض بواقع البلد بعيدا عن تآكل الجهود الفردية وضياعها.

عن المؤلف

سُرى فاضل

اترك تعليقا