فکر و تنمیة

دور الكِبار في استثمار الطاقات الشابّة

توجد منظومات بنائية مهمة تحتاجها أي دولة، ويحتاجها أي مجتمع، وهي في الغالب تدعم التماسك الاجتماعي إذا كانت الجهات المسؤولة عنها تقوم بواجبها على الوجه الأمثل.

من بين أهم هذه المنظومات، المنظومة الاجتماعية، والمعني بهذه المنظومة مراقبة النسيج الاجتماعي، ومتابعة النشاطات العملية المختلفة في داخل هذا المجتمع، وملاحظة الثغرات والنواقص والعمل على تصحيحها بشكل صحيح ومستمر، وهناك مقومات تقوم عليها المنظومة الاجتماعية، وكلما كان الاهتمام بهذه المقومات حاضرا وفاعلا، كانت النتائج جيدة، ولا شك أن المجتمع هو حصيلة شرائح اجتماعية مختلفة ومتباينة.

فمثلا شريحة الشباب تختلف عن شريحة الأطفال والمراهقين، وشريحة الكبار لها خصوصيتها أيضا، ولكن حين تكون أواصر ووشائج التعاون بين هذه الشرائح حاضرة، يصب هذا الأمر في صالح بناء المنظومة الاجتماعية.

على سبيل المثال إذا كانت العلاقات المتبادلة بين الشباب ومن يكبرهم أو يتقدم عليهم بالعمر والتجربة قائمة على التعاون والاحترام، فإن هذه العلاقات سوف تُسهم بشكل كبير في تنمية وتدعيم البناء المجتمعي، وتقوي النسيج الاجتماعي، وتجعل من المجتمع قويا أمام الصدمات والمشكلات المختلفة، وهذا الأمر ينسحب على الشرائح الأخرى.

أما إذا كانت هذه العلاقات قائمة على التناحر وعدم والتعاون والتعالي والاهمال، فإن النتائج تكون سيئة على البناء الاجتماعي، وهناك أمثلة موجودة في مجتمعنا العراقي حاليا، فشريحة الشباب حاليا تعاني من إهمال واضح، سواء على المستوى الرسمي من حيث توفير فرص العمل، أو من حيث تقديم الدعم للشباب في تطوير مهاراتهم ومواهبهم.

يشكو الشباب دائما من هذا الإهمال وهو موجود بالفعل، فمثلا على الدولة والحكومة والمنظمات المدنية المختصة بالشباب، أن تهتم بتوفير مراكز تطوير مهارات شبابية تستقبل الشباب، وتقدم لهم الخبرات اللازمة في شتى أنواع وأصناف الأعمال والمهن المختلفة، حتى يستطيع الشاب أن ينخرط في هذه المراكز التي تطور مهارات الشباب، ومن ثم يحصل على الخبرات ومهارات العمل اللازمة ويستطيع أن يتطور في هذه المهنة أو تلك.

ومن خلال هذه الدورات التدريبية يمكن لكثير من الشباب من تأسيس مشاريعهم الخاصة وتطويرها، ولعل تجربة منصة (مبادرة) التي قامت بها الحكومة العراقية لاستقطاب الشباب وتطويرهم، مثل خطوة جيدة جدا في مجال مساعدة شريحة الشباب على فتح وتطوير مشاريعهم الخاصة، وبالفعل نجحت أعداد جيدة نسبيا في الاستفادة من هذه المبادرة، وحصلت على فرص جيدة أسهمت بتطوير الشباب وفتحت لهم آفاق ممتازة نحو الاستفادة من مهاراتهم عمليا وتطويرها وتنميتها والحصول على مردودات مادية ومعنوية جيدة.

هذه الخطوة على سبيل المثال، أسهمت في تدعيم البنية الاجتماعية، وساعدت بشكل جيد على بناء منظومة اجتماعية متعاونة، قدمت للشباب فرصا هم بحاجة لها، فالشاب حين يجد فرصة عمل تستوعب قدراته ومهاراته ومواهبه، هذا سوف يجعل منه عنصرا فعالا وناجحا في المجتمع، وسوف ينعكس حتما على تنمية وتطوير البنية الاجتماعية بشكل عام.

إذا كانت العلاقات المتبادلة بين الشباب ومن يكبرهم أو يتقدم عليهم بالعمر والتجربة قائمة على التعاون والاحترام، فإن هذه العلاقات سوف تُسهم بشكل كبير في تنمية وتدعيم البناء المجتمعي

لهذا من الأهمية بمكان أن يكون هناك تركيز على مسألة إيجاد الفرص الملائمة للشباب، وحتى المراهقين لابد أن تكون هناك خطط تؤهلهم للمستقبل القريب، وتفتح لهم أبواب المستقبل، فمثلا نجد في معظم الدول الغربية تبدأ الدولة وحتى القطاع الخاص الاهتمام بتوفير فرص عمل تناسب الأعمار التي تتراوح من 14 صعودا، حيث ينخرط هؤلاء الشباب أو المراهقون في مثل هذه الأعمال وتتم تهيئتهم للمرحلة العمرية القادمة.

فيتعلم تحمل المسؤولية، وفي نفس الوقت يحصل على مردود مادي يستطيع من خلاله أن يعتمد على نفسه في مصروفاته المختلفة، وهذا يطور من شخصيته ويجعله قويا معتدا بنفسه، ولا يمد يده حتى لأقرب الناس إليه، وتوجد مثل هذه الحالات والشخصيات من بين شريحة الشباب العراقيين، ولكن نطمح إلى الاهتمام الأكبر بهذه الشريحة لأن النتيجة سوف تصب في صالح بناء المنظومة الاجتماعية بأكملها.

وبهذه الطريقة سوف تكون مخرجات توفير فرص العمل لشريحة الشباب، وللمراهقين، جيدة جدا، وتصب بشكل جيد في مجال تطوير الشخصية الشبابية، وتجعلها أكثر اعتدادا وثقة بنفسها، وهذا يصب في صالح الشخصية المجتمعية الشاملة، أي أن المجتمع كله يُبنى بطريقة صحيحة، تجعل من بنيته الاجتماعية قوية متماسكة، وبهذه الخطوة الاستباقية لدعم الشباب، فإن المسؤولين في حال توفير الدعم والفرص اللازمة للشباب، سوف يساهمون بشكل جاد ومضمون في تنمية وتدعيم المنظومة الاجتماعية الرصينة.

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا