بصائر

 الشخصية الايمانية والطريق الى القمّة

الشخصية الرسالية متكاملة كالبناء، قال ــ تعالى ــ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} والقرآن الكريم في أماكن مختلفة يبين هذه صفات مجتمعة واحيانا يذكرها منفردة.

والسؤال: لماذا يكرر القرآن الكريم هذه الصفات ويؤكد عليها؟

الجواب: لان الانسان له ابعاد مختلفة ولاجل ذلك يبين ربنا لعل الانسان يهتدي، ويتم الحُجّة عليه.

والسؤال الأهم:  ما هي الصفة الجذرية التي لو استوعبناها لحصلنا على بقية الصفات الايمانية؟

فما هو جذر الشخصية الرسالية؟

الانسان لا يعيش وحده على هذه الدنيا، فهنالك مخلوقات كثيرة منها البشر، وكذلك الطبيعة من احجار وانهار وجبال وما اشبه، وبناءً على ذلك يجب ان تكون علاقة الانسان مع بقية المخلوقات علاقةَ التواضع

الجذر الأساس هو عباد الرحمن، يعني ان يكون الانسان عبدا لله، وهذه الكلمة ــ عباد الرحمن ــ تحتوي  على كل الحقائق والتي تتجلى عبادة الانسان لرب العزة والرحمة، والقرآن الكريم يفصل في جميع صفات عباد الرحمن؛ طريقة حياتهم، وكيف يعملون وما اشبه.

 قال ــ تعالى ــ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} لماذا لم يذكر اسما آخر من اسمائه تعالى؟ ذلك يعني ان عباد الرحمن الذين شملتهم رحمة الله وفضله.

 وآخر الآيات: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}.

فبداية الآية ذكر لعباد الرحمن وآخرها دعاء، وذلك هو الخط بين الله وبين عباده؛ فأولا فضل الله عليهم، وفي الأخير دعاء، فعباد الله يبقون علاقتهم مع الله من البداية الى النهاية.

وبما البعض يستصعب الحصول على هذه الصفات، او ان الشيطان قد يخدع البعض ان صفات عباد الرحمن شيء كبير لا يمكن الوصول اليها، لكن هذا تصوّر خاطئ، ذلك ان رحمة الله واسعة ومن يسعَ ويجتهد يصل الى ما يريد بتوفيق الله.

بداية طريق الخير يكون صعودا الى القمة، واثناء الصعود من الطبيعي ان يلاقي الانسان صعوبة في الوصول الى القمة، لكن ما إن يصل ويتربع على القمة، يكون نزوله سهلا ويسيرا،  فمثلا من يريد تأليف كتاب فإن البدايات تكون صعبة لكن ما إن يُنجر الكتاب ويرى النور تكون هنالك اللذة الحقيقة التي لا يعرفها مَن استصعبها.

فما دام الامر كذلك على الانسان ان يسلك طريق الخير ويتحمل المسؤولية ويسير الى نهاية الطريق.

صفات عباد الرحمن

الصفة الأولى: ــ  لعباد الرحمن ــ التي ذكرتها الآيات الكريمة في سورة الفرقان: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} الانسان لا يعيش وحده على هذه الدنيا، فهنالك مخلوقات كثيرة منها البشر، وكذلك الطبيعة من احجار وانهار وجبال وما اشبه، وبناءً على ذلك يجب ان تكون علاقة الانسان مع بقية المخلوقات علاقةَ التواضع، ومعنى ذلك ان لك حق، وللآخرين حقوق.

الطبيعة لها حق على الانسان؛ فاليوم تعقد عشران المؤتمرات لإيجاد حلول لأزمة المناخ التي تعصف بالعالم، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، فعلاقة المؤمن الطبيعة علاقة الهون وهي علاقة التواضع والاعتراف بحقوق الآخرين.

وقد ورد في وصف أمير المؤمنين، عليه السلام، للمتقين: “مشيهم التواضع” وتعرف من خلال مشية احدهم في الشارع؛ فتراه يمشي في الشارع هونا، أي ان طريقة مشيه طبيعة، فينظر الى الآخرين ويحترمهم، وهذا بخلاف الذي يمشي متبخترا وإن دلّ على شيء إنما يدل على تكبره على بقية الناس.

ومن جهة أخرى يبين ربنا ان الانسان الذي يمشي على الأرض هونا لا يذل نفسه، ولا يتعالى على الاخرين، ونستفيد هذه الفكرة المتوازنة من كلمات للإمام الصادق، عليه السلام: “يمشي بسجيته التي جُبل عليها لا يتكلّف ولا يتبختر”.

طريقة المشي تنم عن طبيعة وشخصية الانسان؛ فهناك من يمشي ويجر رجله وهذه مشية الذليل، وهناك يحاول ان يلفت الآخرين بصوت مشيه وهذا هو حال المتكبر.

الاخلاق الحسنة مثل الرائحة الطيبة التي تجذب الناس من بعيد، والله ــ تعالى ــ يصف نبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}

في المقابل ترى بعض المؤمنين حينما يمشي وتصادفه نبتةً في طريقه لا يسحقها برجله، بل ينحرف عنها، وكذا الحال إذا رأى نملةً لا يستحقها ويقضي عليها، وهذا هو عدم الفساد في الأرض، قال ــ تعالى ــ: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا}.

وكان من أجلى صفات النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، التواضع، إذ أن بعض القادمين الى المدينة المنورة حينما يدخل الى المسجد النبوي لا يعرف مَن هو رسول الله، ذلك ان النبي كان لا يختلف عن البقية، سواء بملابسه، او مكان جلوسه.

الصفة الثانية: الرفق

يعني ان علاقة عباد الرحمن مع الآخرين ليست علاقةً جافة، فالجاهل حين يخاطب العالِم ربما فيه نوع من الجفاف والخشونة، لذلك العالِم يقول: {سلاما}، وكلمة “سلام” لها عدة معاني، فمن معانيها ان العالِم سلامٌ مع الآخرين ــ بمن فيهم الجهّال ــ ولا يريد ان يدخل معهم في مشاحنات، و من معاني كلمة “سلام” طيب الأخلاق.

وكثير من الناس آمنوا بالدِين بسبب الأخلاق العالية التي كان يتمتع بها النبي الاكرم، واهل بيته، قال  نصراني للإمام: أنت بقر؟ قال: لا أنا باقر، قال: أنت ابن الطباخة؟ قال: ذاك حرفتها قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية؟

 قال: إن كنت صدقت غفر الله لها وإن كنت كذبت غفر الله لك، قال فأسلم النصراني.

لذلك الاخلاق الحسنة مثل الرائحة الطيبة التي تجذب الناس من بعيد، والله ــ تعالى ــ يصف نبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، والنبي الاكرم استطاع ان يهدي  الكثير من الناس الى دين الله بصفات كثيرة وأهمها صفة الخُلق الحسن، ولذا حريٌ بالمؤمن ان يتحلى بصفات عباد الرحمن حتى يصل الى قمة الأخلاق الفاضلة، التي من شأنها ان تجعله يعيش في الدنيا سعيدا، وفي الآخرة حميدا.

_____

  • مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرّسي “دام ظله”.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا