فکر و تنمیة

آداب حضور مجالس العزاء: اقتضى التذكير؟

جرت العادة عند المسلمين ان يقيمون مجالس العزاء على رحيل ذويهم، أقاربهم، احبتهم، اصدقائهم، وتتنبع هذه العادة من العاطفة والمحبة المغروستين في قلب كل انسان سوي، وهذه الظاهرة قائمة منذ ان خلق الله الخليقة واستمرت حتى وقنا المعاصر لكن اختلفت في بعض تفصيلاتها من فترة زمنية لأخرى، للأسف اليوم بدأنا نلحظ بعض السلوكيات الناشزة لا تتفق مع غرض التجمع وهذا ما دفعني لإعادة التذكير بآداب الحضور بمجالس العزاء.

في العراق على سبيل الحصر يجتمع الاقارب والجيران والاصدقاء حين يبلغ خبر موت احد يعنيهم، فيرافقون الجنازة من مكان تواجدها سواء في المستشفى او في المنزل الى مكان التغسيل وزيارة مراقد اهل البيت عليهم السلام وصولاً الى المقبرة حيث يوارى الجسد هناك، وهذا الامر يعكس قمة التعاطف الانساني، ولسنا بمعرض معارضته  لكننا ندعوا الى تشذيب بعض السلوكيات الغير سليمة التي تحصل في مجالس العزاء ما اكثرها للاسف.

ماهي خروقات حضور مجالس العزاء؟

 هناك مجموعة من آداب العزاء المتعارف عليها قد لا تكون مدونة يمكن الرجوع إليها، إلا أنها متواجدة بالعادات والتقاليد السائدة في أي مجتمع من المجتمعات وهي:

قال الإمام الصادق عليه السلام: “الاكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية والسنة البعث إليهم بالطعام كما أمر به النبي صلى الله عليه وآله في آل جعفر بن أبي طالب عليه السلام لما جاء نعيه

من اول الخروقات للآداب التي نلاحظها في مجالس العزاء هو استباق الجنائز، اذ يعمد الكثير من المستشيخين الى السير امام الجنازة كتعبير منهم على الزعامة وهذا السلوك مرفوض ديناً وعرفاً واخلاقاً، والواجب ان يسير الجميع خلف الجنائز للاتعاظ وهو نوع من احترام اللحظة او المصيبة التي اجتمعوا من اجلها والابتعاد عن التباهي والاستعراض في مثل هذه المناسبات.

ومن غير الادب ان ترى المعزين يتمازحون فيما بينهم ويضحكون وكأنهم في مناسبة فرح او انهم في الشارع وليسوا في مناسبة حزينة، وهذا السلوك بالذات يدل على عدم الاحترام لذوي المتوفي فما الداعي للحضور ان كنت غير متعاطف مع أصحاب المصاب؟ فالواجب في مجالس العزاء هو الابتعاد عن الضحك والمزاح والتصرف بما يليق بالمناسبة الحزينة.

ومن الامور الناشزة التي نراها في مجالس العزاء هو ارتداء بعض المعزين لملابس ذات الوان براقة وصارخة مثل الاحمر والاصفر والاخضر وغيرها من الالوان التي لا تناسب مناسبات الحزن، والافضل ان يرتدي المعزي اللون الاسود عن حضور مجالس العزاء او ارتداء الوان هادئة غير براقة على اقل تقدير.

ومن الأمور التي نراها غير صحيحة ومرهقة لأصحاب العزاء هو البقاء طويلاً من قبل  المعزين عند ذوي المتوفي، إذ ان البقاء طويلا عند اصحاب المصاب يتطلب تقديم الخدمة ووجبات الطعام وغير ذلك وهذا يتطلب جهدا ومالا كبيرا، والكثير من الناس لديهم الاستعداد وهو ما يضعهم في حرج، والأفضل تقديم التعزية لوقت قصير والانصراف بدلاً من اشغال اهل العزاء.

من غير الادب ان ترى المعزين يتمازحون فيما بينهم ويضحكون وكأنهم في مناسبة فرح او انهم في الشارع وليسوا في مناسبة حزينة، وهذا السلوك بالذات يدل على عدم الاحترام لذوي المتوفي

ومن الخروقات لآداب مجالس العزاء استخدام المعزين للهواتف لأوقات طويلة، اذ يجري الكثير من الناس مكالمات طويلة بالإضافة الى تصفح مواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك، والصحيح هو الرد على بعض المكالمات الضرورية على وجه الايجاز وغلق التلفون احتراماً للمناسبة وأهلها.

اما بالنسبة النساء فليس من الادب  الحضور الى مجالس بالمكياج والتزين والملابس الفاضحة وغير المحتشمة، فمثل هذه المجالس ليست مسرحاً للاستعراض لموديلات الملابس ولا المكياج، وما يجب ان هو الابتعاد عن الملابس غير اللائقة والمكياج لكل مناسبة جوها الخاصة وملابسها وكل شيء، وهذا ما يتطلب وعي وذوق للانتباه لمثل هذه التفصيلات.

 ومن غير المنطقي اثقال اصحاب العزاء بطلبات متعبة فأصحاب العزاء يمرون بوضع نفسي ومالي وجسدي غير مريح، والأفضل الابتعاد عما يثقل كواهلهم ويحرجهم والتخفيف عنهم قدر الممكن ومراعاة ما هم فيه، بل تقديم المساعدة المالية والنفسية لهم كنوع من التضامن معهم  وليس العكس، قال الإمام الصادق عليه السلام: “الاكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية والسنة البعث إليهم بالطعام كما أمر به النبي صلى الله عليه وآله في آل جعفر بن أبي طالب عليه السلام لما جاء نعيه” (النعي: الاخبار بالموت، ونعاه أي أخبر بموته). (من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج ١ – الصفحة ١٨٢).

في الخلاصة سيدي القارئ الكريم نقول: اليوم انت معزي وغداً معزى ومغادرتك لمثل هذه السلوكيات غير الصحية في مجالس العزاء سيجعلها عادة راسخة يتعامل معها المجتمع كثوابت يتمسك بها الجميع من دون استثناء، وهذا هو الذي يجب ان يكون وهذه هي اخلاقنا التي نستمدها من القرآن الكريم وسير اهل البيت الذين نعيش بجوارهم.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا