أسوة حسنة

مدرسة الإمام الرّضا عليه السّلام في محاربة الإلحاد

ولد الإمام الرضا ع سنة مئة وثمانية وأربعون للهجرة.

بعد أن وضعت أروى رضي الله عنها مولودها الكريم المبارك أسماه الإمام الكاظم، عليه السلام، بأحب اسم وهو إسم علي الذي كان أهل البيت يحرصون على التسمي به لأنه اكتسب مكانة ممن سُمي به وهو أمير المؤمنين، ولقب بألقاب عدة منها الوفي والصابر والسلطان والرضا وهو أشهرها.

عمره الشريف خمس وخمسون سنة، ومدة امامتة عشرون سنة.

عاش الإمام الرّضا، عليه السّلام، في عصر انفتاح الأمة الإسلاميّة على تراث الأمم الأخرى التي أخذت تدخل في حاضرة المسلمين وتساهم معهم في بناء صرح حضارتهم الإسلامية.

وقد بلغ هذا الانفتاح مبلغاً عظيما في عصر الإمام الرّضا،عليه السّلام،  بشكل واضح حتى كان يهدّد الثقافة الإسلاميّة إن لم يتصدّ له المعنيّون بحفظ أصالة الثَّقافة الإسلاميّة من الذوبان في الثَّقافات الدخيلة عليها بشكل أو بآخر.

وقد اعتنى الإمام الرّضا، عليه السّلام، بهذا الجانب الخطير فقام بإعداد وتربيّة أجيال من العلماء ليحرصوا على صيانة التُّراث الإسلاميّ من الذوبان والانهيار، ويقوموا بمهمة نشر الفِكر الإسلاميّ الصائب في أرجاء العالم الإسلاميّ، ويهتمّوا بتربيّة أجيال تحمل هذه الرسالة إلى العالم أجمع.

من هنا كانت للإمام الرّضا، عليه السّلام، مدرسة حيّة تتقوّم بعناصر عالمة ومتعلّمة وذات ثقافة رساليّة فريدة.

وهذه المدرسة تعتبر جزء من التُّراث الحيّ للإمام الرّضا، عليه السّلام، وهي بُعد متميّز من تراثه الثرّي.

إن من أهم المسائل التي يجب أن يهتم بها المجتمع هي التربية الصحيحة والسليمة  للشباب، وينبغي أن تعد ذلك من الواجبات الرئيسة، لأن بناء الشباب يعد القاعدة الأساسية لبناء المجتمع الصالح

وتأتي احتجاجات الإمام الطويلة والمتنوّعة مع أرباب شتى المذاهب والأديان لتشكّل علامة فارقة أخرى في حياة الإمام الرّضا، عليه السّلام، وهي الجزء الآخر من تراثه المعطاء.

كما يعتبر كل ما دوّن ورويّ عن الإمام الرّضا، عليه السّلام، من أحاديث ورسائل وكتب في شتى ميادين المعرفة الإسلاميّة الجزء الثالث من تراثه الخالد للأمة الإسلاميّة، بل البشرية جمعاء.

 وهنا يأتي التسائل المشروع: هل اخذت هذة الشخصية العلمية ــ ناهيك عن الامامة التي يتحفظ عليها البعض  من منطق عقائدي ـ كامل الحرية فيه.

هل اخذت مساحة في لاعلام الإسلامي؟

 وهل سُلطت عليها الاضواء كونها شخصية اسلامية محاججه للعقائد الفاسده والمنحرفة ومحافظة على تنزية الملة والشريعة كغيرها من شخصيات الاسلامية التي حاججت اهل الكتاب مثل الامام  والقاضي عبد القاهر الجرجاني في سفره لملك الروم.

نقول وبكل آلم: كلا. لم تسلط عليها الاضواء في جامعات الإسلامية، كونه شخصية دينية ومن أعلام الهداية والتقوى والعرفان.

ان الالحاد فكراً هو أسوأ من الفساد، فغايته ليست انكار رب العباد، بل نشر الفساد بين العباد وتدمير القيم الانسانية، والانسان الذي لا يؤمن بالله ــ عز وجل ــ ليس بالضرورة أن يصرح بها للعلن، انما تكمن في عدم تطبيقه لواجباته بصفته مسلم، وبالنتيجة سيلحق هذا ضرر بتشريعات تنظيم الوجود وتطبيقاته العملية، لأن الإيمان بالله عز وجل ليس فقط كلمة يقولها العبد، بل ينبغي له أن يترجمها على واقع حياته ويجعل تصرفاته وسلوكياته مصداقاً لها، بمعنى أن هناك من شبابنا المسلم في المجتمعات الاسلامية، فضلا عن الاغتراب ونتائجه من يقول الشهادة ويشهد الله ولرسوله، لكنها لقلقة لسان فقط من دون تطبيق.

 وهنا ينطبق عليه مفهوم الالحاد لنكرانه واجباته العبادية والانسانية واخلاله بالنظام العام، وهذه الحالة تكاد تبرز في المجتمعات الجامعية أكثر من غيرها من المجتمعات تحت غطاء العلم والمدنية.

إن من أهم المسائل التي يجب أن يهتم بها المجتمع هي التربية الصحيحة والسليمة  للشباب، وينبغي أن تعد ذلك من الواجبات الرئيسة، لأن بناء الشباب يعد القاعدة الأساسية لبناء المجتمع الصالح، وهذا ما نبه عليه الأئمة والعلماء، ومن ذلك الامام علي بن موسى الرضا، عليه السلام، حينما تعرض الشباب في عهده الى ضغوط الأفكار الضالة والمنحرفة، فعمد، عليه السلام، إلى اعتماد أساليب تربوية بتشجيع الشباب على العلم الحقيقي النافع، وكان متفاعلاً بنفسه، عليه السلام، مع هؤلاء الشباب، وحث على احترامهم ومنحهم الثقة في مشاركتهم بالمجتمع وتشجيعهم على الزواج والعمل وتحصيل المعرفة.

الامام الرضا بين المأمون وابي نؤاس

ولنأخذ مثالا عاصر الإمام الرضا، فأبي نؤاس الذي اكتنز لحمه من موائد بني العباس وأموالهم  كيف انقلب حاله في اخريات حياتة وتوجة لله تائبا، وتغيرت عقائده، قيل لأبي نؤاس: قد علمت مكان علي بن موسى الرضا بين المسلمين فلماذا أخرت مدحه، وأنت شاعر زمانك، وقريع دهرك؟

فأنشأ يقول:

قيل لي أنت أوحد الناس طراً في فنون من كلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلام ترکت مدح ابن موسی والخصال التي تجمعن فيه

قلت: لا أهتدي لمدح إمام كان جبريل خادما لأبيه

اعتنى الإمام الرّضا، عليه السّلام، بهذا الجانب الخطير فقام بإعداد وتربيّة أجيال من العلماء ليحرصوا على صيانة التُّراث الإسلاميّ من الذوبان والانهيار، ويقوموا بمهمة نشر الفِكر الإسلاميّ الصائب في أرجاء العالم الإسلاميّ

حتى بلغ تأثر المأمون العباسي به هو اصراره لولاية العهد ونفذ ذلك، وكانت الخطوة الثانية هي التنازل عن الخلافة له ولما استقر المقام بالإمام الرضا، عليه السلام، من خراسان، التفت المأمون ذات يوم إلى الرضا، عليه السلام، وقال: إني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك وأبايعك، فقال له الرضا عليه السلام: “إن كانت هذه الخلافة لك، وجعلها الله لك فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسكه الله، وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك”.

فانه لم يستلم الخلافة فعلا فقد كانت له في النفوس الف خلافة  واليوم اصبح مرقده الطاهر منارا شامخا في خراسان ينافس السماء علواً وازدهاراً على أعتابه يتكدس الذهب ويزدحم المسلمون من شرق الأرض وغربها لزيارته والصلاة عنده، والتطواف حول ضريحه الأقدس. هذا في بلد الغربة وبعيدا عن الاهل والوطن، والمدينة وفي المدينة تسوى قبور أجداده وتندرس!

ورحم الله الشيخ أحمد الوائلي بهذه الأبيات.

سيدي يا أبا الجواد وبا بن الحبر

 موسى ويا مناط الرجاء

يا مقيماً بقلب كل محب

 ولو أن المدى بعيد ناء 

 يابن اأصلاب من أعز الرجال

 وابن أرحام من أعف النساء

عن المؤلف

كريم الموسوي

اترك تعليقا